كتاب يثرب قبل الإسلام

30 ...
لأن ذلك كان في عهد إبراهيم - عليه السلام - وكان خروجهم من العراق في عهد نمروذ، قال ابن خلدون: كانت مواطن العمالقة تهامة من أرض الحجاز، فنزلوها أيام خروجهم من العراق أمام النمارذة من بني حام) (1) كما يحتمل أن تكون لهم ديانة أخرى - إذ لا يمكن القطع بشيء من ذلك كما لا يمكن القطع بأحوالهم الأخرى.
والعجيب أن التواراة لم تذكر أصلهم ولا نسبهم، ولم تتعرض لهم، ولعل ذلك محاولة لطمس حقيقة العماليق، والسكوت عليهم حتى يضيع تاريخهم، والسبب في ذلك أن العماليق دوخوا الإسرائيليين، واعتدوا عليهم، وغزوا ديارهم واحتلوا أريحا وغزة، وكبدوهم خسائر فادحة، وأدخلوا الرعب في نفوسهم.
والتوراة وإن لم تتعرض لأصلهم ونسبهم ولكنها ذكرتهم وذكرت ما كان منهم، بصورة حاقدة غاضبة، تدل على مقدار غيظهم منهم، وتحريضهم عليهم، يقول الدكتور جواد علي (ويتجلى هذا الحقد في الآيات التي قالها النبي (صوئيل) لشاؤول أو ملك ظهر عند العبرانيين، قالها لهم باسم إسرائيل: (إياي أرسل الرب لمسحك ملكاً على شعب إسرائيل والآن فاسمع صوت كلام الرب، هكذا يقول رب الجنود، إني افتقدت ما عمل عمليق بإسرائيل حين وقف له في الطريق عند صعوده من مصر، فالآن اذهب واضرب عمليق، واحرمه كل ماله، ولا تعف عنهم، بل اقتل رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعاً، بقراً وغنماً، جملاً وحماراً) وهذا الحقد هو الذي جعلهم يخرجونهم من قائمة النسب التي تربطهم بالساميين) (2).
ويبدوا أنهم - العماليق - كانوا يعتمدون في معيشتهم في يثرب على الرعي والزراعة ونستدل لذلك بأمرين أولاً: تخصب الأرض هناك، وكثرة مياهها، وثانياً: للنص الذي ورد في التوراة من الأمر بقتل بقرهم وغنمهم، وإبلهم وحميرهم ....
__________
(1) ابن خلدون (2/ 27)
(2) المفصل (1/ 347).

الصفحة 30