كتاب يثرب قبل الإسلام

35 ...
فنزلت طائفة بتيماء وتوطنوا نخلاً، ومضت طائفة، فلما رأوا خيبر ظنوا أنها البلدة التي يهاجر إليها، فأقام بعضهم بها، ومضى أكثرهم وأشرفهم، فلما رأوا يثرب سبخة وحرة ونخلاً قالوا: هذا البلد الذي يكون له مهاجر النبي، فنزلوه) (1).
وهذه الرواية كسابقتها توضح أن اليهود قصدوا يثرب لأنها البلدة التي سيهاجر إليها النبي العربي، ولكنها لم توضح، في عهد من كانت تلك الهجرة إلى يثرب؟ وإن وضحت الجهة التي هاجورا منها وهي بلاد الشام، وذكر الجهة، يؤدي الىاحتمال أنها كانت في عهد موسى عليه السلام أو بعده، حيث لم يستوطن اليهود بلاد الشام إلا بعد خروجهم من مصر في عهد موسى - عليه السلام -.
والذي يغلب على الظن هنا أن هذه الرحلة الى يثرب كانت بعد موسى، وفي عهد شمعون الذي كان قبل داود - عليه السلام - أي في نهاية القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وقد ذكر المؤرخون أنه كان في ذلك العهد هجرة لليهود من الشام الى الحجاز وأطلقوا عليها (هجرة قبائل شمعون) (2). والذي يرجح هذا الرأي عندي أن الرواية التي بين أيدينا لم تذكر موسى - عليه السلام - وفي نفس الوقت لم تشر العماليق. مما يرجح أنها كانت في فترة خلت فيها يثرب من العماليق، وإنما كان القضاء على العماليق قضاءً تاماً على يد قبيلة شمعون التي أفنتهم واحتلت ديارهم (3).
الثالثة: ويروي السمهودي رواية أخرى ويسند الرواية إلى بعض أهل السير الذين أسندوها إلى أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (بلغني أن بني إسرائيل لما أصابهم ما أصابهم من ظهور بختنصر عليهم، وفرقتهم وذلتهم، تفرقوا وكانوا يجدون محمداً - صلى الله عليه وسلم - منعوتاً في كتابهم، وأنه يظهر في بعض هذه القرى العربية في قرية ذات نخل ولما خرجوا من أرض الشام كانوا ...
__________
(1) أخبار مدينة الرسول، ص 13.
(2) قلب جزيرة العرب، ص 258.
(3) نفس المرجع، ص 226.

الصفحة 35