كتاب يثرب قبل الإسلام

36 ...
يعبرون كل قرية من تلك القرى بين الشام واليمن يجدون نعتها نعت يثرب، فينزل بها طائفة منهم، ويرجون أن يلقوا محمداً فيتبعونه، حتى نزل من بني هارون ممن حمل التوراة بيثرب منهم طائفة فمات أولئك الآباء وهم يؤمنون بمحمد - صلى الله عليه وسلم - أنه جاء، ويحثون أبناءهم علىاتباعه إذا جاء فأدركه من أدركه من أبنائهم فكفروا به وهم يعرفونه: أي حسداً للأنصار حيث سبقوهم إليه) (1).
وتوضح الرواية هنا الزمنالذي كانت فيه تلك الهجرة، والسبب الحقيقي لها، أن هذه الهجرة وقعت في عهد بختنصر، وفي أيام الغزو البابلي لفلسطين حيث أوقع بختنصر بالإسرائيليين، وأنزل بهم هزائم منكرة وخرب بلادهم، ودمر هيكلهم، وأسر أكثرهم وساقهم الى بابل، وقد نشأ عن ذلك أن تفرق بنوا إسرائيل في البلاد ورأي بعضهم أن يتوجه الى يثرب، لأنها كانت مذكورة في التوراة ومعلوم أنها ستكون مهاجر نبي يبعث في آخر الزمان، فالسبب الحقيقي هنا هو الضغط البابلي على اليهود الذي اضطرهم إلى التفكير في ترك بلادهم واستيطان شمال الحجاز (2).
الرابعة: يقول ياقوت: (إن الروم ظهروا على الشام، فقتلوا من بني إسرائيل خلقاً كثيراً فخرج بنو قريظة والنضير وهدل هاربين من الشام يريدون الحجاز الذي فيه بنو إسرائيل ليسكنوا معهم، فلما فصلوا من الشام، وجه ملك الروم في ظلبهم من يردهم، فأعجزوا رسله، وفاتوهم، وانتهى رسل الروم الى ثمد بين الشام والحجاز فماتوا عنده عطشاً، فسمي الموضع ثمد الروم، فهو معروف بذلك إلى اليوم) (3).
ونلاحظ أن هذه الرواية تختلف في سببها، وزمنها عن سابقتها، فأما سببها فهو الهزيمة التي مني بها اليهود على يد الروم، والخسائر الفادحة التي أصابتهم في الأموال والأرواح، مما جعل بني إسرائيل يفكرون في اللجوء ...
__________
(1) وفاء الوفا (1م 160/ 161).
(2) قلب جزيرة العرب، ص 258.
(3) معجم البلدان (4/ 462).

الصفحة 36