كتاب يثرب قبل الإسلام

38 ...
وحيث لا يوجد دليل يمكن الإعتماد عليه في ترجيح عدم الهجرة، فإننا نستطيع أن نثبت هجرة رابعة، وإن كانت هي الأولى في الحقيقية، وهي هجرة اليهود في عهد موسى - عليه السلام - وبعد نجاتهم من طلم فرعون.
وعلى هذا يمكن القول بأن هجرات بني إسرائيل إلى جزيرة العرب كانت أربع هجرات، وفي أربع مراحل على النحو الآتي:
الأولى: في عهد موسى - عليه السلام - سواء كانت بغزو العماليق، وإخراجهم من يثرب، وسكن اليهود فيها، أو كانت بتخلف بعض من حج مع موسى ليقيموا في البلد الذي بشرتهم التوراة بأنها ستكون مهاجر نبي آخر الزمان.
ويبدو أن إقامة بني إسرائيل فلي يثرب هذه المرة، وفي البلدان المجاورة لها لم تدم، حيث يروي أنالعماليق ثاروا على اليهود الذين ساكنوهم الحجاز، وشددوا الضغط عليهم، حتى استنجدوا بموسى - عليه السلام (1).
والذي يرجح هذا عندي سكوت بعض المؤرخين عن ذكر تلك الهجرة (2)، وإن كان ذلك لا يدل على عدم حصولها (3)، لاحتمال أنها لم تبلغهم، وذكر بعضهم لها مع التعليق عليها باستبعاد حصولها، وذلك أيضاً لا ينفيها لعدم وجود الأدلة التي يعتمد عليها في نفي تلك الهجرة.
ويفهم من هذا متوفيقاً بين الروايات أن هذه الهجرة حصلت بالفعل، ولكنها لم تدم، لهذا أهملها بعض المؤرخين، والذي أرجحه في ترتيب هذه الهجرة أنها وقعت على النحو الآتي:
الأولى: تخلف بعض من حج مع موسى عليه السلام وسكنوا يثرب وظلوا بها حتى اشتد العداء بينهم وبين العماليق، فاستغاث بنو إسرائيل ...
__________
(1) المدينة بين الماضي والحاضر، ص 15.
(2) ممن سكت عن ذكرها الطبري.
(3) مثل السهيلي وابن خلدون.

الصفحة 38