كتاب يثرب قبل الإسلام
41 ...
ولما طغى فرعون، واستبعد بني إسرائيل، فقتل ابناءهم واستحيا نساءهم، أرسل الله إليهم موسى - عليه السلام - ليخرجهم من مصر، ويخلصهم من فرعون، فيجعل الله لهم طريقاً في البحر يبسا، ونجى الله موسى وبني إسرائيل معه، وأغرق فرعون وقومه فكانت إقامة بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر في ارض سيناء، ثم أمرهم موسى - عليه السلام - أن يدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لهم دخولها، ولكنهم جبنوا وخافوا من سكانها الجبارين، وقالوا: لن ندخلها أبداً ما داموا فيها (1)، عندئذٍ حرم الله عليهم دخول مدينة الجبارين، وعاقبهم فحكم عليهم بالضياع في التيه أربعين سنة، قال - تعالى-: (فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض، فلا تأس على القوم الفاسقين) (2).
يقول ابن كثير: (دخل بنو إسرائيل البرية عند سيناء في الشهر الثالث من خروجهم من مصر، وكان خروجهم في أول السنة التي شرعت لهم، وهي أول فصل الربيع، فكأنهم دخلوا التيه في أول فصل الصيف) (3).
ثم كانت إقامة بني إسرائيل بعد انقضاء فترة التيه في مدينة الجبارين في أرض الشام والناظر إلى موقع الأرض التي كان يقطنها بنو إسرائيل يرى أنها كانت مخاطة بالأعداء فالبابليون إلى الشرق من بلاد الشام، والأشوريون إلى الشمال منها، والبحر إلى الغرب، ولم يكن هناك طريق مفتوح سوى الجنوب - أي إلى شبه جزيرة العرب-.
فكانوا في الهجرة الأولى يطلبون الحجاز ويثرب بالذات، رغبة في سكنى المدينة التي يهاجر إليها الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - أما في الهجرات التي وقعت تحت ضغط، فلم يكن بد من جزيرة العرب، حيث لا سبيل إلى مكان آخر يلجأون إليه.
يقول البلاذري: (لما هدم يختنصر بيت المقدس، وأجلى من أجلى، ...
__________
(1) المائدة: 24.
(2) المائدة: 26.
(3) البداية والنهاية (1/ 280).
الصفحة 41
224