كتاب يثرب قبل الإسلام
43 ...
الآخرون بيثرب، وكل هذه المناطق ينطبق عليها الوصف، وكل هؤلاء النزلاء كانوا يعتقدون بأنهم بنزولهم تلك البلدة قد أصابوا الهدف. وكان الذين أصابوا الهدف، ووفقوا في القصد هم ساكني يثرب، وكانوا قبائل مختلفة، فمنهم بنو النضير ومنهم بنو قينقاع ومنهم بنو قريظة وكانت تجاورهم وتعيش معهم بطون مختلفة أيضاً من اليهود.
وإننا لنلاحظ أن هؤلاء قد انتشروا في يثرب، ولم يقيموا جميعاً في منطقة واحدة منها فقد استوطن بعضهم وادي مذينيب - وهو وادٍ من أودية المدينة - واستوطن بعضهم وادي مهزور وهو وادٍ أيضاً من أودية المدينة - ونزل الآخرون بموضع سوق سمي باسمهم. فأما الذين استوطنوا مذينيب هم بنو النضير (1) وأما الذين أقاموا بمزور فهم بنو قريظة (2) وأما أصحاب موقع السوق فهم بنو قينقاع وسمي الموقع بسوق بني قينقاع (3). وكأنهم أرادوا بهذا الإنتشار في المدينة أموراً قد خططوا لها من قديم الزمان نجملها فيما يلي:
1 - الناحية السياسية:
لقد أفادهم تفرقهم هذا من الناحية السياسية فائدة كبيرة، حيث كانوا لا يظهرون بمظهر المتكتلين أمام السكان الأصليين، وعندئذٍ لا تثور ثائرتهم، ولا يتحرشون بهم، فيعيشون آمنين على مستقبلهم، غير متعرضين للفتن والقلاقل، كما أن تفرقهم هذا مكنهم من محالفة قبائل متعددة، الأمر الذي لا يتيسر لهم لو كانوا كتلة واحدة ولقد مكنهم تحالفهم مع القبائل من حرية الحركة والعمل، فبنوا الآطام، وشيدوا الحصون، واتخذوا البساتين، ونشطوا في الأسواق مما كان له أكبر الأثر في الناحيتين العسكرية والاقتصادية كما سنبينه بعد.
وكما أن انتشارهم هذا مكنهم من محالفة قبائل متعددة، فقد أوجد لهم نفوذاً هائلاً، تسلطوا بواسطته على مقاليد الأمور في يثرب، حتى آل إليهم ...
__________
(1) أخبار المدينة، ص 14.
(2) نفس المصدر والصفحة.
(3) وفاء الوفا (1/ 157).
الصفحة 43
224