كتاب يثرب قبل الإسلام
46 ...
فقال: وجدت بلداً طيباً، وأودية تنصب إلى حرة عذبة، فتحولوا فنزل بنو النضير على بطحان، وقريظة على مهزور (1) وإننا لنلاحظ أنهم بنوا الحصون، وسكنوا الآطام في كل مكان حلوا به من جهات يثرب حتى بلغت آطامهم تسعة وخمسين أطماً (2).
على أننا يجب أن نفهم أن تحول بني النضير من السافلة إلى العالية ونزولهم في الجنوب الشرقي ليثرب كان نتيجة بحثهم عن الأماكن الصالحة للإقامة، ولم يكن مجرد تحول لا هدف له، بل كان تحقيقاً لهدفهم الاقتصادي الذي اعتقد أنهم يفضلونه على الهدف العسكري. ولقد كانت نتيجة تلك السيطرة على الوضع الاقتصادي في يثرب ما حققوه من الغلبة عليها، والتحكم والتسلط على السكان، حتى أصبحوا أصحاب الكلمة العليا فيها كما يتضح فيما يأتي:
الناحية الإقتصادية:
لم تكن للناحية العسكرية عند اليهود في يثرب الأهمية التي كانت للناحيتين السياسية والإقتصادية ذلك لأن اليهود بفطرتهم لا يميلون إلى الحرب، ولا يؤيدون أي اتجاه إليها ما داموا سيشاركون فيها، فهم دائماً يشاركون في حرب إلا وهم مكرهون.
أما إذا كان غيرهم هم الذين يصطلون بها ويتلظون بنارها، فهم أول من يسعرها، وينفخ في جمرها، ويصب فوقها النفط والقطران حتى لا تخبو نارها، أو يبرد أوارها.
لهذا لم يكنن بدعاً أن يجنح اليهود إلى الإستيلاء على الموارد الاقتصادية التي تمكنهم من التسلط، والتحكم في أرزاق الناس دون معاناة أي جهد عسكري. وإذا ألحت البطون في طلب الطعام عجزت الأيدي عن حمل السلاح، وإذا امتدت الأيدي لطلب المال، تعطل الذهن عن التفكير حينئذٍ للكفاح، ولا مبرر لحمل السلاح ....
__________
(1) المغانم المطابة (ص 398).
(2) أخبار مدينة الرسول، ص 14.
الصفحة 46
224