كتاب يثرب قبل الإسلام

47 ...
ومن أجل هذا نزل اليهود أخصب مناطق المدينة زراعياً وأجودها تجارياً، حيث نزل النضير في الحرة الشرقية على وادي مذينيب، وهو أخصب الأمكنة وأغزر الأودية، بحيث تمكن اليهود من استثمار الأرض واتخاذ البساتين، يقول ابن النجار: (فنزل بنو النضير على مذينيب واتخذوا عليه الأموال) (1) ونزل بنو قريظة على مهزور، وهو لا يقل عن مذينيب خصوبة وغزارة، وكان بنو قريظة أول من حفر به الآبار، وغرس الأشجار، يقول ابن النجار: (ونزل قريظة وهدل على مهزور واتخذوا عليه الأموال - البساتين - وكانوا أول من احتفر بها الآبار واغترس) (1).
وأما بنو قينقاع فكانوا صناعاً وأحدثوا سوقاً في يثرب عرف باسمهم وكان منزلهم (بزهرة) يقول ابن زبالة: (فكان جميعهم بزهرة، وكانت لهم الأموال بالسافلة) (2) ويصف ابن النجار زهرة فيقول: (وكانت زهرة من أعظم قرى المدينة، قيل كان فيها ثلآثمائة صانع من اليهود) (3).
ويذكر الفيروز آبادي أن هذا السوق يسمى حباشة كثمامة فيقول في مادة حبش: (وكثمامة الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة وسوق تهامة القديم، وسوق أخرى كانت لبني قينقاع) (4).
وبذلك استطاع اليهود في يثرب أن يسيطروا على الناحية الزراعية والتجارية والصناعية وكانت لهم اليد العليا في اقتصاد هذه البقعة من الأرض، كما استطاعوا سابقاً التغلغل في سياسة البلد فحركوا أهله بما يحقق مصالحهم ويخدم أغراضهم.
ومع ذلك فإننا نلاحظ رغم هذه السيطرة الاقتصادية والتفوق السياسي، أن العرب لم يدخلوا في دين اليهود، ولم يحرص اليهود على ذلك فلماذا؟ ...
__________
(1) أخبار مدينة الرسول، ص 14
(2) أخبار المدينة.
(3) أخبار مدينة الرسول، ص 12.
(4) القاموس المحيط (2/ 267).

الصفحة 47