كتاب يثرب قبل الإسلام

49 ...
الأسماء العربية المحضة التي سميت بها القبائل اليهودية، ولكن إسرائيل ولفنسون يتعقب هذا التدليل بما يضعفه ويوهنه، حيث أن اليهود كانوا قد تركوا النسبة إلى قبائلهم، وأخذوا يتسمون بأسماء الأماكن التي سكنوها، والبلاد التي أقاموا بها حتى كان يعرف فلان بالأرشليمي، وفلان بالحبروني (1) وأما أدلة أصحاب الرأي الثاني فكثيرة وقوية نجملها فيما يأتي:
1 - مخاطبة القرآن الكريم لليهود الحاضرين في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصفة العموم، وتذكيرهم بما حدث من أصلافهم في الماضي البعيد، وربطه بالواقع الحديث، فالله - تبارك وتعالى - يخاطب يهود يثرب، فيقول: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الت أنعمت عليكم، وأني فضلتكم على العالمين، واتقوا يوماً لا تجزى نفس عن نفس شيئاً، ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منا عدلٌ، ولا هم يُنصرون، وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم، وفي ذلكم بلاءٌ من ربكم عظيم) (2).
ونحن نلاحظ في عرض هذه الآيات أنها تخاطب يهود يثرب، ثم عرضت لليهود في زمن موسى دون أن يشعر القارئ بانتقال من موضع إلى موضع، وكأن الكلام كله متصل بيهود يثرب، ودون أن يشعر كذلك بالمدة الزمنية الهائلة التي بين زمني موسى ومحمد - عليهما السلام - وهي فترة لا تقل عن ألفين واربعمائة عام.
ذلك لأن المخاطبين هم أبناء السابقين فالالتحام قوي، والنسب متصل والنبوة تحل محل الأبوة، لهذا لم يكن غريباً أن يذكرهم بنعمته على آبائهم، لأنها ولا شك نعمة عليهم.
من هذا يتضح أن يهود يثرب هم أبناء إسرائيل، نزحوا إلى بلاد العرب، وأقاموا بها، وليست الرابطة بينهم وبين اليهود في العالم رابطة الدين فقط، وإنما هي رابطة الدين والنسب، ورابطة الأبوة والنبوة ....
__________
(1) تاريخ اليهود في بلاد العرب، ص 15.
(2) البقرة: آية 47 - 49.

الصفحة 49