كتاب يثرب قبل الإسلام

52 ...
ليسوا عرباً، ولا من أصل عربي، إذ لو كانوا عرباً لكانت لهم في قبائلهم عزوة ينتصرون بها على أعدائهم ولكان لهم من قبائلهم نصير يعتزون به ويستنصرونه، ويقول أصحاب ذلك الرأي: إنما بنى اليهود هذه الحصون، وتلك الآطام ليلتجئوا إليها إذا حزبهم أمر، أو أصابهم مكروه، ولو كانوا من أصل عربي لتحصنوا بقبائلهم، وآووا إلى فئتهم.
ومما يؤيد هذا أنه لم تكن لليهود في المدينة وفي أقاليم الحجاز عصبية قبلية بين العرب وإنما كانت صلاتهم بالقبائل العربية صلة حلف، ومصالح مشتركة، ولذلك لم يجدوا من قبائل العرب من يقف إلى جانبهم بدافع العصبية حين حاربهم النبي وطرد بعضهم من المدينة وقضى على بعضهم الآخر، بل إنهم حين خرجوا من المدينة لم يلجأوا إلى قبائل العرب ينزلون عليها استناداً إلى رابطة القربى، وإنما لجأوا إلى إخوانهم في خيبر وتيماء ووادي القرى ثم رحلوا إلى الشام (1).
على كل ما تقدم يستند المؤرخون في أن يهود يثرب يرجعون إلى أصل غير عربي، وإن وجدت لهم أسماء عربية وإن صاهروا بعض العرب.
لغة اليهود في يثرب:
إن اليهود في يثرب قد أقاموا بين ظهراني عرب لا يعرفون سوى العربية لغة يتكلمون بها، لهذا كان من الضروري أن يتعلموا تلك اللغة، وأن يعتمدوها لغة التخاطب حتى يمكنهم التعايش مع السكان الأصليين للمنطقة التي اتخذوها دار مقام لهم، ومن المرجح أن هذه اللغة لم تخل من رطانة عبرية، لأنهم لم يتركوا استعمال اللغة العبرية تركاً تاماً، بل كانوا يستعملونها في صلواتهم ودراستهم فكان من الضروري أن يدخل في عربيتهم بعض العبرية (2).
ولا شك أن اليهود كانت لهم معابد يقيمون فيها شعائر دينهم، وكانت ...
__________
(1) مكة والمدينة، ص 302.
(2) تاريخ اليهود في بلاد العرب، ص 20.

الصفحة 52