كتاب يثرب قبل الإسلام

53 ...
لهم أماكن يتدارسون فيها علوم دينهم وما يصلحهم في دنياهم (1)، وكان لهم علماء عرفوا بالأحبار والربانيين، اشارت إليهم الآية الكريمة (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم، وأكلهم السحت، لبئس ما كانوا يصنعون) (2).
ولا شك في أن لغة اليهود في معابدهم ومدارسهم، وتخاطبهم مع أهليهم وذويهم، كانت هي اللغة العبرية، ولهذا كان لا يمكن التخلص منها كلية، بل كان من الضروري خلط العربية بشيء من العبرية، شأنهم في ذلك شأن كل صاحب لغة يقصد التكلم بغير لغته الأصلية.
ومما يؤكد أنه كان لليهود لغتهم التي يتخاطبون بها دون العربية، ما صح من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن ثابت أن يتعلم لغة يهود، حتى لا يحرفوا كتبه إليهم (3).
والذي يظهر لي وأرجحه أن اليهود كانت لهم لغتهم الخاصة التي يتعاملون بها ويكاتبون غيرهم بها، كما كانت لهم لغة يخاطبون بها غير اليهود، ويتعاملون معهم على أساسها.
ولهذا أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - زيد بن ثابت أن يتعلم لغتهم الخاصة حتى إذا كتب إليهم أو كتبوا إليه لا يستطيعون التحريف والتبديل، وأما لغة التخاطب فكانت هي اللغة العربية، ومما يؤيد ذلك ما حدث يوم غزوة بني قريظة حين قدم رسول الله-ص- علي بن أبي طالب برايته، فلما دنا من الحصون سمع مقالة قبيحة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجع حتى لقي رسول الله بالطريق، فقال له: لا عليك إلا تدنو منهم قال الرسول: "لم؟ أظنك سمعت منهم أذى لي؟ " قال: نعم يا رسول الله.
قال - صلى الله عليه وسلم -: لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئاً، فلما دنا رسول الله من ...
__________
(1) تفسير الطبري (2/ 381).
(2) المائدة: 63.
(3) رواه البخاري.

الصفحة 53