كتاب يثرب قبل الإسلام
55 ...
إنها بموقعها الجغرافي في هذا كان لا بد أن تستلفت أنظار المارين بها وتغريهم بسكناها، إذا لم يكن بها سكان.
2 - إن موقع يثرب من قديم الزمان كان محاطاً بالقرى الهامة كخيبر وتيماء ووادي القرى، وهذه كانت أماكن استقرار يقطنها قبائل عربية، ولقد بلغت أهميتها أن نقل ملك المعينيين عاصمته إلى تيماء ووصل بجيوشه إلى يثرب، ولا يمكن أن تكون تلك القرى آهلة معمورة ويثرب التي تعتبر واسطة العقد تكون مهجورة لا يسكنها أحد.
3 - إن يثرب منذ عهد قديم منطقة خصبة كثيرة الوديان، وافرة العيون والآبار، ولا يمكن أن تكون منطقة في جزيرة العرب لها هذه الميزات، وتلك الخصائص، ثم يعرض عنها الناس ولا يسكنونها.
ولقد ذكر الأستاذ الشريف أن يهود خيبر حالفوا غطفان التي كانت قريبة من هذه الأماكن الخصيبة، واتخذوا منها حامياً يدافع عنهم، ويجيرهم على من يريد الإعتداء عليهم (1).
كل هذا يؤيد ما نقله السمهودي، ويرد ما ذكره ولفنسون، ويكون ذلك دليلاً على أن يثرب كانت معمورة آهلة بالسكان، وأنهم لم يستعمروا يثرب بالسهولة التي تصورها مؤرخهم إسرائيل ولفنستون، بل نستطيع أن نستنتج أن اليهود قد لاقوا صعوبة وشدة عند نزولهم بالمدينة كسكان يريدون استيطانها والإقامة فيها.
إن اتخاذ اليهود للآطام، وبناءهم الحصون لدليل على عدم اطمئنانهم، وخوفهم من مهاجمة القبائل العربية لهم مما يؤيد أن استعمار اليهود لهذه المناطق لم يكن هيناً سهلاً، وأننا لنستطيع أن نستنتج من ذلك أن هجرات اليهود إلى هذه الأماكن لم تكون بدفعات كبيرة، ولكنها بدأت بأعداد قليلة ومتتابعة وأن عددهم ظل يكثر شيئاً فشيئاً حتى غلبوا على هذه المناطق (2) ....
__________
(1) مكة والمدينة، ص 308.
(2) مكة والمدينة، ص 309.
الصفحة 55
224