كتاب يثرب قبل الإسلام

6 ...
الصالحة لاحتضان الدعوة الجديدة، ولا الأرض الصلبة التي يستطيع الدعاة الوقوف عليها.
وكانت الهجرة الى المدينة، فآوت ونصرت، وبذلت وضحت، وقدمت وآثرت، ووجد فيها المسلمون كل ما تطلعت إليه نفوسهم، وتمنته قلوبهم، واتخذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاصمة للدولة الإسلامية، فأصبحت بذلك وطن المسلمين الحقيقي، يشعرون فيه بالأمن الذي طالما نشدوه، ويحسون في رحابه بالطمأنينة التي طال حرمانهم منها، ويجدون فيه مع ضيق العيش رخاء وسعة بين إخوانهم.
تعلقت القلوب بالمدينة لأنها الأم التي ضمت الى صدرها المشردين في حنان ورفق ولأنها الوطن الذي آوى إليه المطرودون فاستقبلهم بالترحيب والإكرام، فكان من حق المدينة على كل مسلم أن يشيد بمآثرها، وأن يسطر مفاخرها، وأن يخلد ذكراها في العالمين.
لقد منحت المدينة للإنسانية حقوقها التي ضيعها طغيان الطاغين، وأهدرتها مظالم الجبارين، فأعادت للإنسان كرامته، وأهدت إليه حريته، ووقفت دولتها في جوار المستضعفين حتى عزوا، وحدت من سلطة الطغاة المتجبرين حتى ذلوا، ونعم الناس في ظلها بالعدل السياسي والاجتماعي في وقت لم يكن للعدل فيه مكان حتى بين صفحات الكتب.
إن هذا التاريخ المجيد للمدينة آثار في نفسي رغبة الوقوف عليه من مصادره الموثوقة، وجئت الى البحث عنه في مظانه الدقيقة، فأخذت أجمع كل ما استطعت جمعه من المراجع والمصادر التي تناول أصحابها تاريخ المدينة - وهي كثيرة لا تحصى - ودققت فيها النظر فإذا هي تحوي ألواناً شتى، كل سفر يضم بين صفحاته ما لا يجود به غيره، أو يحوي بين دفتيه ما يكمل موضوعاً تعرض له سواه.
ووجدت في تلك الكتب نتفاً متناثرة لو ضمت الى بعضها لأصبحت موضوعاً واضح اللمحات، غزير النفحات، يمكن أن يتناول جانباً من جوانب الحياة المختلفة التي عاشتها المدينة في تلك الحقبة من الزمان ....

الصفحة 6