كتاب يثرب قبل الإسلام

66 ...
ومن مدن اليمن كذلك نجران وعدن، وكان لسكان اليمن قديماً علاقات بالهند والشرق الأدنى (1).
هذه البلاد ذات الخيرات المشهورة بالخصب والغنى - الممتازة بهذا الموقع على البحر الأحمر، لا بد أن يكون أهلها في غنى عن الرحلة والهجرة، فإذا حصل وهاجر أهلها، فلا بد وأن يكون هناك أسباب دعت إلى تلك الهجرة، إذ لا يعقل أن يترك أقوام أوطانهم وهي لا تضن عليهم بمحصول، ولا تبخل عليهم بمكنون، وهي تعطيهم حياة حرة طليقة يتمتعون فيها بكامل حقوقهم، ويمارسون أقصى ما يمكن أن يمارسه إنسان من أنواع النشاط. لقد كانت هذه حال بلاد اليمن في تلك الفترة من الزمان وكان هذا هو وضع سكانها الذين يعيشون فيها، نعم لقد كانت حالة البلاد تدعو إلى الاستقرار، قأقام أهليها وادعين، وكان الرخاء يشدهم إلى التمسك بأوطانهم فلم يبرحوها مودعين، وظل أمرهم كذلك حتى فسد حالهم، وكفروا بنعمة الله التي أنعمها عليهم، حتى كان أن طلبوا الشقاوة للأنفسهم ظالمين معتدين، فجعلم الله عبرة للناس، وفرقهم في البلدان، ولقد حكى الله - عز وجل- ذلك عنهم في القرآن الكريم فقال: (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم، وبدلناهم بجنتيهم جنتين، ذواتى أكل خمط واثل وشيء من سدر قليل، ذلك جزيناهم بما وهل نجازي إلا الكفور؟ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة، وقدرنا فيها السير، سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين، فقالوا: ربنا، باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم، فجعلناهم أحاديث، ومزقناهم كل ممزق، إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) (2).
فتفرقوا في البلدان، فنزلت خزاعة تهامة، ونزل الأزد عمان، وغسان الشام، والأوس والخزرج المدينة ولكن هل كان ذلك هو سبب الهجرة وحده؟ أم أن هناك أسباباً أخرى انضمت إلى هذا السبب فجعلت الهجرة حتماً لا مفر منه، وضرورة لا يمكن العدول عنها، أغلب الظن أن هناك أسباباً ...
__________
(1) فجر الإسلام، ص 3.
(2) سبأ: 16 - 19.

الصفحة 66