كتاب يثرب قبل الإسلام
68 ...
المختلفة، حيث كان التناحر والتخاصم على أشده بين الأقيال - ملوك اليمن - فكانوا يتنازعون السلطة، كل يريد الاستئثار بها والتغلب على خصمه، مما أدى إلى الفوضى وعدم الاستقرار، فلم يعد الناس يأمنون في ظل الفوضى، أو يستقرون في أرجوحة الإضطراب.
يقول الأستاذ الشريف وهو يتكلم عن هجرة قبائل الأزد وأسبابها: (إنها كانت لعوامل متعددة، منها اضطراب أحوال اليمن نتيجة للتنازع السياسي بين الأقيال) (1).
وقد بدأ القحط يزحف بوجهه الكالح على أرض اليمن السعيد التي يرى بعض المؤرخين أنها سميت اليمن من اليمن والخير والبركة، حتى ترجمها الرومان إلى (أريبيا فيلكس) أي العربية الخيرة أو السعيدة دلالة على غنى تلك البلاد ومدى حضارتها (2).
بدأ القحط يزحف نتيجة لإهمال شأن السد الذي كان ينظم حركة الري في البلاد وكانوا يستفيدون بذلك فوائد كثيرة حيث كانوا يتحكمون في تصريف الماء لري الأراضي الزراعية فيعيشون طول العام في رخاء ودعة، كذلك تحولت الطرق التجارية الهامة التي كانت تمر بهم، وكانوا يجنون من ورائها ربحاً وفيراً يضمن لهم الرخاء والسعادة.
تصدع السد فأهملوه، وقلت عنايتهم بمأرب، ونقلوا عاصمتهم إلى ظفار بدلاً من مأرب خوفاً من طغيان السد، فبدأت القبائل تنزح بطوناً لأسباب مختلفة منها القحط وتبدل الطرق التجارية العالمية (3).
ولقد تعرضت اليمن لغزو عسكري متتابع مرة من الفرس وأخرى من الروم، وظلت البلاد ترزح تحت سيطرة الغالب عليها ودخلت في معارك عنيفة مع قوات الحبشة التي كان يساندها قيصر الروم، ولم يتمكن الأحباش ...
__________
(1) مكة والمدينة، ص 315.
(2) اليمن وحضارة العرب، ص 14.
(3) نفسه، ص 66.
الصفحة 68
224