كتاب يثرب قبل الإسلام

69 ...
من الإستقرار في اليمن إلا عام 345 ميلادية، حيث تمكن ملك الحبشة (العلي عميدة) بمساعدة قيصر الروم (قسطنطينوس) من الإستيلاء على اليمن وظل الأحباش مسيطرين على اليمن حتى عام 374 ميلادية (1).
وفي فوضى هذه المعارك، وبسبب هذه الإضطرابات لم يستطع اليمنيون الإقامة في بلادهم آمنين، فنزحوا عنها يطلبون الإستقرار، فارين من هذا الدمار.
وقد لخص الأستاذ الشريف الأسباب التي أدت إلى هجرة القبائل اليمنية إلى أنحاء مختلفة من الأرض بقوله:
(وإذن فإن هجرة القبائل الأزدية كانت متفرقة، وإنها كانت لعوامل متعددة، منها اضطراب أحوال اليمن نتيجة للتنازع السياسي بين الأقيال، وإلحاح الأحباش عليها بالغزو منذ القرن الثالث وإهمال أمر الأرواء مما نتج عنه تصدع السد مرات متكررة مما سبب العسر الإقتصادي لإهمال الزراعة، فأخذت القبائل تهاجر كلما ضاق بها الحال، وكانت الأوس والخزرج ضمن هذه القبائل المهاجرة، وكانت هجرتها متأخرة عن غيرها من بطون الأزد) (2).
وإن المتمعن في طبيعة العرب، الدارس لصفاتهم وأحوالهم، يرى من خلال ذلك أن الحياة عندهم ليست حياة استقرار وثبات وإنما الغالب عليها حياة التنقل والانتجاع، ويرى كذلك أن أكثر تنقلهم لأجل الماء والكلأ. ولهذا فإنني أرجح أن السبب الأعظم في هجرة قبائل الأزد، ليس هو السبب السياسي، ذلك لأن حياة العرب في اليمن وغيرها ليست حياة دعة وراحة حتى تعكرها الفوضى السياسية، وتقلقهم المنازعات القبلية، فإن حياتهم قائمة على شن الغارات، واقتحام الصعوبات، فلم يكن إذن للتنازع السياسي الحاصل بين الملوك أثر كبير في هجرة أهل اليمن. وليس السبب العسكري أيضاً هو الدافع للهجرة، لأن العربي قد ألف الحرب، فهي ليست غريبة عليه ...
__________
(1) اليمن وحضارة العرب، ص 26.
(2) مكة والمدينة، ص 315 - 316.

الصفحة 69