كتاب يثرب قبل الإسلام
لقد كانت المدينة عاصمة لأول دولة قامت على أرض الجزيرة، لها نظم سياسية تدبر بها شؤونها، وأوضاع اجتماعية تنظم بها حياتها، ومنهج اقتصادي يضبط معاملاتها، إنها دولة اكتملت فيها كل معالم الدولة على النحو الذي نعرفه الآن، وفيها حكومة اتسمت بكل سمات الحكومة التي تسير دفة الأمور في البلاد.
عندئذ انقدحت في ذهني فكرة البحث في النظم التي قامت عليها دولة الإسلام الأولى سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، وفي نفس الوقت أدركت أن حسن هذه النظم وروعتها، وتفوقها ودقتها لا يمكن أن يلمسه الباحث، أو يقف على حقيقته القارئ إلا إذا وضع إلى جوار النظم التي سبقته في تلك البيئة، وطبقت على الناس أنفسهم فتكلمت عن النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي كانت قائمة في المدينة قبل قيام دولة الإسلام.
ولست أدعي أنني ابتكرت هذه ابتكاراً، ولا أقول إنني أوجدتها من العدم بعد أن لم تكن، ولكني جمعتها من ثنايا الكتب ونستقتها على النحو الذي أبرزتها فيه، ونظمتها في إطار واحد فخرجت في صورة مكتملة بعد أن كانت نتفاً وشذرات مبعثرة هنا وهناك.
وقد اتبعت في دراستي للموضوعات السابقة النهج الآتي:
1 - إذا أجمع المؤرخون على رواية أثبتها، ما لم تكن مخالفة لصريح العقل أو النقل أو الأحداث التاريخية الموثوقة، فعندئذٍ أعلق عليها بما يوضح رأيي فيها من حيث القبول أو الردّ.
2 - إذا اختلفت الروايات، بحثت عن مصادرها، وأخذت بالأوثق ولو خالفت رأي الأكثرين.
3 - إذا تعارضت الروايات في موضوع واحد ناقشتها، وأثبت منها ما يوافق الوقائع التاريخية الصحيحة، أو ما يوافق قواعد البحث العلمي الدقيق.
4 - إذا انفرد مؤرخ برواية، وعارض آخرون سلكت فيها منهج الترجيح ...
الصفحة 7
224