كتاب يثرب قبل الإسلام

70 ...
حتى تضطره لهجر بلاده والإرتحال عنها، بل إن حياة الكر والفر هي الحياة الحقيقية في نظره، فكيف تضطره إلى مفارقة وطنه، والإبتعاد عن بلاده؟
إذن فالسبب الحقيقي للهجرة هو السبب الإقتصادي الذي تعود العربي من أجله الإرتحال، وترك البلاد والأحباب، ولا شك أن انضمام السببين السياسي والعسكري إليه مما يقويه، ويجعل الإنسان أكثر اهتماماً بالهجرة، حيث اجتمع لديه أكثر من سبب، كل واحد منها كافٍ لتوطين النفس على الهجرة، لولا طبيعة العرب وظروفهم التي يحيونها.
ولعل هذا هو السبب في حصر المؤرخين العرب لأسباب الهجرة في تصدع السد وخرابه يقول ابن هشام: (وكان سبب خروج عمرو بن عامر من اليمن - فيما حدثني أبو زيد الأنصاري - أنه رأى جرذاً يحفر في سد مأرب الذي كان يحبس عليهم الماء، فيصرفونه حيث شاءوا من أرضهم، فعلم أنه لا بقاء للسد على ذلك، فاعتزم على النقلة من اليمن فكاد قومه، فأمر أصغر ولده إذا أغلظ له ولطمه أن يقوم إليه فيلطمه، ففعل ابنه ما أمرة به.
فقال عمرو: لا أقيم ببلد لطم وجهي فيه أصغر ولدي. وعرض أمواله، فقال أشراف من أشراف اليمن: اغتنموا غضبة عمرو، فاشتروا منه أمواله، وانتقل في ولده وولد ولده.
وقالت الأزد: لا نتخلف عن عمرو بن عامر، فباعوا أموالهم، وخرجوا معه ... فنزل آل جفنة بن عمرو بن عامر الشام، ونزلت الأوس والخزرج يثرب) (1).
وذهب ابن النجار إلى مثلما ذهب إليه ابن هشام، وذكر السمهودي وياقوت نفس القصة، وكلهم مجمعون على أن هجرة الأزد من اليمن إلى أنحاء الجزيرة كانت قبل انهدام السد، وكان سببها خوفهم من تصدعه، وما يترتب على ذلك من الدمار والتخريب.
ونحن لا ننكر أن أحد أسباب الهجرة الأكيد هو تصدع السد وما ترتب ...
__________
(1) السيرة النبوية (1/ 13).

الصفحة 70