كتاب يثرب قبل الإسلام

73 ...
أن هجرة الأوس والخزرج كانت بعد سيل العرم (1) إلا إذا أراد أنها كانت بعد تصدع السد الأول الذي حدث في عام 120 ميلادية وهو على ما يبدو من كلامه غير مراد له، لأنه نص على سيل العرم.
لقد استبعدنا فيما سبق أن يترك الناس بلادهم وديارهم بما فيها من خيرات لتوقع أمر قد يحدث، وقد لا يحدث، وثبت لنا الآن أن الهجرة كانت قبل سيل العرم، فكيف نوفق بينهما؟ لا شك أن تصدع السد للمرة الأولى وما ترتب عليه من خسائر كان ماثلاً في أذهان الناس إذ لا يمكن أن ينسى مثل هذا الحادث بسهولة، فلما رأي الناس بعد ترميم السد وإصلاحه أن الجرذ بدا ينخر في بناء السد، ويحدث فيه ثقوباً، توقعوا أن يحدث له ما حدث في المرة الأولى، أو أشد حتى أن السبأيين قد وجهوا عنايتهم إلى ظفار واتخذوا منها عاصمة بدلاً من مأرب التي أصبحت مهددة بالسيول (2).
وخلاصة القول إن السد تصدع مرات ورمم في كل مرة وآخر ترميم له كان في عهد أبرهة الأشرم 542م وأن تصدع السد كان سبباً من أقوى أسباب هجرة الأوس والخزرج، وأن انهيار السد كان بسبب سيل قوي فاض بمياه غزيرة، وضاقت عنه المخارج القوية، فحطم السد، وطغت المياه على مدينة مأرب وقصرت أيدي أهلها عن إعادته (3).
الأوس والخزرج في يثرب
تفرقت قبيلة الأزد اليمنية في أنحاء شتى من أرض جزيرة العرب، بعد خروجها من اليمن فنزل فريق منهم ببلاد الشام، وأقام فريق بالعراق، ودخل دماعة مكة، وتوجه الأوس والخزرج إلى يثرب، فدخلوها وكان الغالب على ...
__________
(1) الأغاني (19/ 95)
(2) اليمن وحضارة العرب، ص 66.
(3) اليمن وحضارة العرب، ص 65.

الصفحة 73