كتاب يثرب قبل الإسلام

75 ...
وفي نفس الوقت تخوف اليهود من العرب الجدد، وقد رأوهم يتزايد عددهم يوماً بعد يوم وتزدهر أموالهم مع مرور الزمن وبخاصة وقد رأوهم ينافسونهم في الظهر والزرع، ويسابقونهم في التجارة والكسب.
كان هذا الشعور من كلا الفريقين داعياً للتفاهم وتبادل الرأي، فاتفقوا على أن يعقدوا حلفاً يأمن به كل فريق غدر صاحبه، فعقدوا بينهم حلفاً، زوعاشوا به أعواماً، وعرف هذا الحلف بالحلف العام (1). ولكن اليهود غدروا بعهدهم، ونقضوا حلفهم، واشعلوا نار العداوة بين أبناء العم ليتقوا تججمعهم، ويأمنوا بطشهم، ودارت الحرب بين الأوس والخزرج ضروساً طاحنة، وكانت اليهود تغذيها كلما فترت أو هدأت.
والذي يظهر أن العداوة قد دبت بين اليهود، وتفرقوا شيعاً، حتى استغل الأوس والخزرج هذا الخلاف بين اليهود وحالفت كل جماعة منهم جماعة من اليهود فحالف الأوس قريظة، وحالف الخزرج النضير، وقاتل كل فريق ضد الآخر في معارك طاحنة (2).
الأوس والخزرج يسيطرون على المدينة
إن اليهود كانوا أصحاب الحول والطول والكلمة العليا في يثرب حين نزلها الأوس، وقد عاش الأوس والخزرج على ذلك زمناً، ثم ما لبث الحال أن تغير، وتبدلت الأوضاع، وأصبحت الكلمة للعرب، وعاش اليهود إلى جوارهم حلفاء، ولكن كيف تم ذلك؟
يدرك المؤرخون لذلك سبباً، واعتبره كثيرون منهم هو السبب الحقيقي لإخضاع اليهود لسلطة العرب وغلبتهم على المدينة، وسأذكر السبب كما ذكره المؤرخون غير ملتزم به.
قالوا: كان ملك بني إسرائيل في ذلك الزمان يقال له: الفيطوان ...
__________
(1) المدينة بين الماضي والحاضر، ص 33 - 34، وفاء الوفا (1/ 178).
(2) الأغاني (3/ 24).

الصفحة 75