كتاب يثرب قبل الإسلام
78 ...
وأمامنا كما يظهر روايتان تختلفان في الدافع، وتتفقان في المصير، الرواية الأولى تذكر أن الدافع إلى ثورة الأوس والخزرج هو طغيان الفطيون، ومحاولة اعتدائه على أعراضهم مما جعل مالك بن العجلان يقتله ويستنصر بأبناء عمومته في الشام.
والرواية الثانية لا تذكر شيئاً عن الفطيون، ولا تشير إليه وكأنها قصة خرافية، حبكها الأخباريون ونسجوها من خيال محض، فهي تذكر أن مالك ابن العجلان قد زار الغساسنة بالشام زيارة عابرة ولما سأله أبو جبيلة أخبره مالك بوضعهم ف المدينة مع اليهود، فغضب أبو جييلة ودبر هذه المكيدة ليذل يهود، ويرفع من شأن الأوس والخزرج.
والذي يظهر في قصة الفطيون أنها لا تستند على أدلة قوية، ويبدو أن الجانب الجنسي قد أخذ حظه كاملاً في هذا الوقت مما جعل الإخباريون يزجون به في كل مناسبة انتقام معتمدين على غيره العرب على أعراضهم، وحميتهم للدفاع عنها.
على كل حال نحن نلاحظ في كلا الروايتين أنهما انتهتا بإذلال يهود المدينة وبسط نفوذ الأوس والخزرج عليها ولكن ابن الأثير والأصبهاني يوردان تكملة للبحث، فهما يرويان أن اليهود بعدما فعل أبو جبيلة ما فعله بهم لم يخضعوا للأوس والخزرج، وظلوا على حالهم حتى كادهم مالك نفسه بمثل ما كادهم أبو جبيلة، وقتل منهم بضعة وثمانين رجلاً، عندئذ ذلوا وخافوا وراحوا يتخذون الأوس والخزرج حلفاء لهم (1).
ويقول: حتى أن الرجل من اليهود كان إذا نزل به مكروه ذهب إلى جيرانه من الأوس أو الخزرج وقال:
نحن جيرانكم ومواليكم، ولم يذهب إلى إخوانه من اليهود كما كانوا يفعلون من قبل (2).
عزَ الأوس واخزرج وأصبحت لهم الكلمة العليا بيثرب، وعاش اليهود ...
__________
(1) الأغاني، (19/ 97).
(2) الأغاني (19/ 96) والكامل (1/ 402).
الصفحة 78
224