كتاب يثرب قبل الإسلام
84 ...
وفي قوله - تعالى: (يضاهئون قول الذين كفروا من قبل) دليل واضح على أن أهل الكتاب -اليهود والنصاري -نسبوا لله -سبحانه -ما نسب أهل الأوثان إليه. وفي تفسير ذلك يقول ابن جرير، - عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: (يضاهئون قول الذين كفروا من قبل) يقول: قالوا: مثل ما قال أهل الأوثان (1).
وقد تابع ابن جرير على هذا المعنى ابن الجوزي في زاد المسير، والبيضاوي في أنوار التنزيل، والشوكاني في فتح القدير حيث يقول:
(إنهم شابهوا بهذه المقالة عبدة الأوثان في قولهم: اللات والعزى ومناة بنات الله) وقال: (إنهم شابهوا قول من يقول من الكافرين إن الملائكة بنات الله) (2). لقد كان هذا التحريف وشيجة ربطت بين الوثنية والديانات التي عاصرتها، فلم يثر بعضها على بعض كأديان ولم ينتقص بعضها من بعض كنحل وكان لكل منها فريق من الناس.
ولهذا لم نر اليهود ولا النصارى يعيبون على الوثنيين ما يعبدون من دون الله، ولم نرهم يسفهون عقولهم التي رضيت بالحجارة أربابً، واتخذت منها آلهة. ولم نسمع عن الوثنيين أنهم وقفوا من اليهود والنصارى هذا الموقف، بل رضيت كل منها عن الأخرى لاجتماعها على الباطل، واتفاقها على الضلال.
على أن هذا لا يعني أنه لم يكن هناك خلاف بين أهل هذه الديانات، وأنه لم يكنه بينهم خصومات وعداوات بل كان الخلاف على أشده قائماً، وكانت الخصومة والعداوة كأعنف ما يعرفه الناس ناشبة بينهم، ولكن هذا الخلاف وتلك الخصومة لم تكن بين القوم على أساس عقائدي، وإنما كان ذلك مبنياً على أساس العداوة التي تحصل في النفوس من الأصيل على الدخيل، والحقد الكامن في القلوب من المقيمين على المغيرين، أو بتعبير ...
__________
(1) تفسير الطبري (14/ 206).
(2) فتح القدير (2/ 353).
الصفحة 84
224