كتاب يثرب قبل الإسلام
85 ...
آخر على أساس الجنس والقومية، وبسبب ما كان من احتقار أهل الديانات الوافدة لأهل البلاد الصليين، وإلى هذا المعنى يشير قوله - تعالى -: (ذلك بأنهم قالوا: ليس علينا في الأميين سبيل) (1) وفي هذا القول احتقار واضح للأميين.
والأميون هنا، هم العرب الذين ليسوا أهل كتاب، أي ليس علينا في ظلمهم حرج لمخالفتهم لنا، فهم بذلك يستبيحون امتهان غيرهم من الأمم، ويحلون ظلمهم واحتقارهم.
وفي قوله - تعالى - حكاية عنهم: (وقالت اليهود والنصارى: نحن أبناء الله وأحباؤه) (2) وهم بذلك يثبتون لأنفسهم ما ليس لغيرهم من البشر، ومنهم الأميون - العرب - الذين ليسوا من أبناء الله ولا من أحبائه.
هذا الزهو الباطل وهذا الفخر الكاذب كان هو السبب فيما بين أهل الأديان من الخلاف والخصام وبين الوثنيين الذين لم يدعوا لأنفسهم هذ المنزلة، بل الذين كانوا يعتقدون أنهم لا يستطيعون الوصول إلى الله - عز وجل - إلا بواسطة الأوثان التي كانوا يعبدونها لتقربهم إلى الله زلفى. لهذه الأسباب كان الخلاف ناشباً بين القوم بعضهم وبعض، وكانت العداوة والبغضاء مستحكمتين في نفوسهم أن شعور العرب بأنهم أهل البلاد وسكانها الصليون، وشعورهم بأن اليهود قوم دخلاء عليهم، قدموا إلى بلادهم فارين من ظلم القرس مرة، ومن اضطهاد الرومان مرة أخرى، فوسعوهم بكرمهم، وأحلوهم ديارهم بحسن أخلاقهم وجميل ضيافتهم، ثم لا يرون منهم بعد ذلك شكراً للجميل واعترافاً بالفضل، بل كان الأمر بالعكس كفر للنعمة ونكران للجميل وتذؤب للوادعين وانتهاز للفرصة ليفرضوا أنفسهم ويبسطوا سلطانهم.
كان لا بد إذن من الخلاف، وكان لا بد لهذا الخلاف أن يتحول إلى ...
__________
(1) آل عمران: 75.
(2) المائدة: 180.
الصفحة 85
224