كتاب يثرب قبل الإسلام

94 ...
قالوا: نعم فنحت لهم خمسة أصنام على صورهم، ونصبها لهم.
فكان الرجل يأتي أخاه وعمه وابن عمه، فيعظمه ويسعى حوله، حتى ذهب ذلك القرن الأول، ثم جاء قرن آخر فعظموهم أشد من تعظيم القرن الأول ثم جاء من بعدهم القرن الثالث، فقالوا: ما عظم أولونا هؤلاء إلا وهم يرجون شفاعتهم عند الله، فعبدوهم.
وعظم أمرهم، واشتد كفرهم، فبعث الله إليهم إدريس - عليه السلام - نبياً، فدعاهم، فكذبوه، فرفعه الله إليه مكاناً علياً.
ولم يزل أمرهم يشتد حتى أدرك نوح - عليه السلام - فبعثه الله نبياً، وهو ويمئذٍ ابن أربعمائة وثمانين سنة فدعاهم إلى الله - عز وجل - في نبوته عشرين ومائة سنة، فعصوه وكذبوه، فأمره الله أن يصنع الفلك تفرغ منها وركبها وهو ابن ستمائة سنة، فغرق من غرق، ومكث بعد ذلك ثلاثمائة.
فعلا الطوفان وطبق الأرض كلها - وكان بين آدم ونوح ألفا سنة ومائتا سنة، فأهبط ماء الطوفان هذه الأصنام من جب نوذ إلى الأرض، وجعل الماء يشتد جريه وعبابه من أرض إلى أرض حتى قذفها إلى أرض جدة، ثم نضب الماء، وبقيت على الشط، فسف الريح عليها حتى وارتها) (1).
ثم كانهتاف الرئي لعمرو بن لحى، فاستثارها، وحملها ودعا العرب إلى عبادتها فأجابوه إلى ما دعاهم إليه، وأقروها وعبدوها.
وعلى كل حال فإن هذه الرواية كسابقتها تؤكد أن الوثنية دخيلة على العرب، ولم تكن معروفة عندهم قبل ذلك، لأنها أماً مجلوبة من الشام، ولم يكن للعرب بها سابقة، بدليل أن عمرو بن لحى حينما رآها سأل عنها ولو كان له بها علم لم يسأل سؤال الجاهل الذي يريد أن يعرف، وأما هتف بها شيطان عمرو فأجابه وأحضرها من جدة، ودعا العرب إلى عبادها في موسم الحج فأجابوه.
...
__________
(1) الأصنام، ص 51 وما بعدها.

الصفحة 94