كتاب يثرب قبل الإسلام

95 ...
والذي يظهر لي أن هتاف الشيطان بعمرو واستجابته له، كان بعد جلب الأصنام من الشام، واستدل على ذلك بما يأتي:
أولاً: إن عمرو بن لحى، لم يتردد في إخبار الشيطان له، ولم يسأل عن الأصنام وما هي؟، مما يدل علىأنه كان له بها معرفة سابقة، ولولا ذلك لسال عنها كما سال عنها حين رآها بالشام.
ثانياً: إن عمرو بن لحى وزع الأصنام حسب الرواية السابقة، فكان نصيب أهل اليمن منها ثلاثة - يغوث ويعوق ونسرا - وكان نصيب أهل الشمال منها اثنين - ودا وسواعا - ولم نره يجعل لأهل مكة منها شيئاً مما يدل على أن أهل مكة، كان لهم من الأصنام ما يكتفون به، فلم يحتاجوا إلى شيء من هذه الأصنام.
وأغلب الظن أن تلك الأصنام التي أغنت أهل مكة عن التطلع إلى واحد من هذه الأصنام الخمسة هي تلك التي جلبا عمرو من الشام.
يقول الكلبي: (ثم أنه مرض مرضاً شديداً، فقيل له: أن بالبلقاء من الشام حمة أن أتيتها برأت، فأتاها فاستحم بها، فبرأ، ووجد أهلها يعبدون الأصنام، فقال: ما هذه فقالوا: نستسقي بها المطر، ونستنصر بها على العدو، فسألهم أن يعطوه منها، ففعلوا فقدم بها مكة، ونصبها حول الكعبة (1).
نخلص من هذا العرب برأيين: أحدهما أن الوثنية ديانة نشأت عند العرب، ونبعث من أنفسهم، والثاني أنها ديانة غير معروفة عند العرب، وجلبت إليهم من خارج بلادهم.
ونحن إذا أردنا ترجيح أحد الرأيين واجهتنا قوة الأدلة التي تؤيد كل رأي، حيث أن أدلة كل رأي جاءت في كتب التاريخ المعتبرة لدى المؤرخين، والمشهورة بصحة روايتها فالرأي الأول رواه ابن هشام نقلاً عن ...
__________
(1) الأصنام: ص 8

الصفحة 95