كتاب يثرب قبل الإسلام

96 ...
ابن إسحاق، كما رواه ابن الكلبي في كتابه - الأصنام - والرأي الثاني رواه ابن حجر في فتح الباري عن محمد بن حبيب نقلاً عن ابن الكلبي، ما رواه الطبري في تفسيره، كذلك رواه ابن هشام في السيرة عن بعض أهل العلم.
وهكذا ترى الأدلة متكافئة لا يقل بعضها عن بعض في القوة، فوجب أن نسير إلى التوفيق بينها ما أمكن ذلك. إن أهمال أحد الرأيين مع قوته لا يستحق التقديم، وهو عمل لا يقل استهجاناً عن سابقه.
والذي أراه أن العرب باستصحابهم حجارة مكة، وتعظيمهم لها، قد تهيأت نفوسهم للوثنية، وتطلعت لها من غير أن يعرفوا كنهها، فلما رحل عمرو لحى إلى الشام وجلب (هبل) من هناك نصبه عند الكعبة، وأمر العرب بتعظيمه وعبادته (1) فأطاعوه ووجدوا في عبادتهم له ترجمة لما كان يجول بنفوسهم من غير أن يدركوه وظل (هبل) وحيداً في مكة يعبده أهلها، ومن قدم من أطراف الجزيرة إليها.
فلما نفخ الشيطان في قلب عمرو: جلب الأصنام الخمسة من جدة، أحضرها في موسم الحج، ودعا العرب إلى عبادتها فأجابوه فوزعها على أهل الجزيرة على النحو السالف، فأصبح في كل جهة من جهات الجزيرة صنم يعبد، وفرح به أهل جهته، وكيف لا؟ وقد اصبح لهم إله كأهل مكة يعبدونه، ويترقبون الخير من الإخلاص له، ويتقربون إليه بالعتائر والقرابين.
وهكذا انتشرت الوثنية في الجزيرة، وتعصب لها العرب في أنحائها تالمختلفة، حتى أصبحت الديانة العامة لسكان الجزيرة دون منازع، وظلت كذلك فترة من الزمان حتى ظهرت اليهودية في يثرب، والنصرانية في نجران، فشارك الدينان الجديدان الوثنية، وانتزعا منها بعض أنصارها، فدان باليهودية أناس، وتعصبوا لها، كما دان بالنصرانية آخرون وتعصبوا لها، ولكن ...
__________
(1) ابن هشام، م1، ص77.

الصفحة 96