كتاب يثرب قبل الإسلام

98 ...
يؤمنون به ويدينون له فأثر ذلك في شخصيتهم، ومهدها لقبول الحق الذي سيأتيهم بعد ذلك.
ومن جهة أخرى فقد كان تعدد الآلهة، وتفرقها ذا أثر سيء في كيان الأمة العربية، ساعد على تمزقها وتفتيت وحدتها، لأن أفراد كل قبيلة تعصبوا لإلهتهم إلى جانب تعصبهم للقبيلة، مما جعل العصبية تشتد وتشتد، وبعدت الشقة بين القبائل بعضها وبعض، وبالتالي أدى ذلك إلى صعوبة جمع هذه الأمة على كلمة واحدة، كما أدى إلى زيادة العداوة بين القوم، حتى تسبب عن ذلك نفور القبائل من الحق الذي جاءهم على يد شخص من غير قبيلتهم.
إذن فقد كان للوثنية أثران متناقضان في شخصية الإنسان العربي أحدهما: الطاعة والخضوع لهذه الأوثان التي اتخذوها آلهة من دون الله مما هيأهم لقبول الدعوة إلى طاعة الله بعد أن آمنوا به.
وثانيهما: تفرق الناس وتعدد نزعاتهم تبعاً لتعدد الآلهة التي تعصب لها أتباعها. على أن هذين الأثرين لم يتغلغلا في نفوس الناس جميعاً في الجزيرة، ولم يظهرا في كل طوائفها فقد قرأنا عن بعض أفراد من العرب، لما كانت قسمة الآلهة ليست في مصلحتهم ثاروا على الآلهة بل وحطموها وسخروا منها.
يقول ابن الكلبي: وكان لمالك وملكان ابني كنانة، بساحل جدة وتلك الناحية صنم يقال له سعد، وكان صخرة طويلة، فأقبل رجل منهم بإبل له ليقف عليه يتبرك بذلك فيها، فلما أدناها منه، نفرت منه - وكان بهران عليه الدماء - فذهبت في كل وجه، وتفرقت عليه، وأسف، فتناول حجراً فرماه به وقال:
(لا بارك الله فيك إلهاً، أنفرت على إبلي) ثم خرج في طلبها حتى جمعها، وانصرف عنه، وهو يقول:
أتينا إلى سعد ليجمع شملنا ... فشتتنا سعد فلا تحن من سعد
وهل سعد إلا صخرة بتفوفه ... من الأرض، لا يدعى لغي ولا رشد (1) ...
__________
(1) الأصنام، ص 36 - 37.

الصفحة 98