كتاب يثرب قبل الإسلام

99 ...
وهذا رجل آخر من العرب، قتل أبوه فخرج غلى ذي الخلصة - وكان من آلهتهم - فاستقسم عنده، بالأزلام، يطلب ثأر أبيه، فخرج السهم ينهاه عن ذلك، فلم ينصع لنهيه، وخرج على مشورته وقال:
لو كنت يا ذا الخلص الموتورا ... مثلي وكان شيخك المقبورا
لم تنه عن قتل العداة زورا (1)
وهذا مالك بن كلثوم المشجي أطرد سادن (الفلس) - إله طيء- ناقة لامرأة من كلب كانت جارة لمالك بن كلثوم، وذهب السادن بالناقة إلى (الفلس) وأوقفها بفنائه.
وكان الفلس كما يقول ابن الكلبي: أنفاً أحمر في وسط جبل طيء الذي يقال له: أجأ، كأنه تمثال إنسان، وكانوا يعبدونه، ويهدون إليه ويعتزون عنده عتائرهم، ولا يأتيه خائف إلا أمن عنده، ولا يطرد أحد طريدة فيلجأ بها إليه غلا تركت له، ولا تخفر حويته (2)، هكذا كان (الفلس) وظن السادن أن الناقة التي أطردها اصبحت ملكاً للآلهة حيث دخلت حوزته وحرمه، ولم يسبق أن خفر أحد من القوم حوزة الفلس.
ولكن مالك بن كلثوم لم يرع حرمة الفلس، فلم تكد جارته تخبره بما فعل السادن حتى ذهب إليه على فرس عرى، وأخذ رمحه، وأدركه وهو عند الفلس، والناقة واقفة في حرمه - فقال مالك للسادن: خل سبيل ناقة جارتي.
فقال السادن: إنها لربك.
قال مالك: خل سبيلها.
قال السادن: أتخفر آلهتك؟ فوجه مالك الرمح إلى السادن، فخاف السادن وحل عقال الناقة، وذهب بها مالك، وردها إلى جارته.
...
__________
(1) نفسه، ص 35.
(2) نفسه، ص 59.

الصفحة 99