تزلزلت منه القلوب، وضاقت بسببه النفوس، وزاغت الأبصار. حتى وصفها
القرآن الكريم بقوله - تعالى -: " إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم،
وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وتظنون بالله الظنونا، هنالك
ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا " (1).
ولقد سلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تأمين حدود الدولة سبيلا دل على
حكمة نادرة، ودراية بأمور السياسة فائقة حيث سلك الطريق التي لم يكن
هناك ما يغني عنها في هذا الصدد، ونلخصه فيما يأتي:
اولا: إرهاب العدو:
إن القوة العسكرية فى هذه الفترة الزمنية كانت اللسان البليغ الذي يقنع
المتغطرسين والحجة البالغة التي تسكت المجادلين لهذا لجأ إليها الرسول
- صلى الله عليه وسلم - وهو يؤمن حدود دولته، فجهز السرايا، وبعث البعوث إلى جميع
الجهات التي يحتمل اعقداء العدو منها، حتى بلغت تلك البعوث والسرايا
ثمانيا وهي: غزوة ودان، سرية أبي عبيدة بن الحارث، سرية حمزة، غزوة
يواط، غزوة العشيرة، سرية سعد بن أبي وقاص، غزوة سفوان، سرية
عبد الله بن جحش (2).
لم يكن الغرض من هذه السرايا حرب جماعة من الناس، ولا الاعتداء
على قبيلة من القبائل وإنما كان الغرض الأساسي منها هو إرهاب العدو،
وتخضيد شوكته، ونشر الرعب بين تجمعاته، حتى لا يفكر فى الاعتداء، وإذا
صحت رواية الواحدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في سبب
نزول الاية الكريمة " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا " (3)
وهو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما صد عن البيت، ونحر هديه بالحديبية وصالحه
المشركون على أن يرجع من العام المقبل، رجع، فلما تجهز في العام
__________
(1) الأحزاب: 5 1 - 1 1.
(2) ابن هشام (2/ 170 - 178).
(3) البقرة: 195.
102