كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

وفتناه ودخلا به مكة نهارا موثقا، وقالا: يا أهل مكة، هكذا فافعلوا بسفهائكم
كما فعلنا بسفيهنا هذا.
ولما أراد أبو سلمة أن يهاجر رحل ببعيره وحمل عليه زوجه ومعها ابنها
سلمة، وهم بالخروح فراه قوم أم سلمة، فقالوا له: هذه نفسك غلبتنا عليها،
أرأيت صاحبتك هذه؟ علام نتركك تسير بها في البلاد؟
ونزعوا خطام البعير من يده، وأخذوا منه زوجته، فلما رأى قوم أبي
سلمة ذلك قالوا: لا والله لا نترك ابننا عندها إذا نزعتموها من صاحبنا،
وتجاذبوا الصبي حتى خلعوا يده، وانطلق به رهط أبي سلمة.
وهكذا تشتتت الأسرة، قوم أم سلمة حبسوها عندهم، ومنعوها الخروح
مع زوجها، وقوم أبي سلمة أخذوا الطفل الصغير عندهم، وذهب أبو سلمة
مهاجرا إلى المدينة (1).
واننا لنرى في هذه الأمثلة محاولات مستميتة لصد المؤمنين عن
الهجرة، لا حبا لهم، ولا إشفاقا عليهم من الغربة، ولكن لفتنتهم وصدهم
عن سبيل الله، ولكن المؤمنين قد صمموا على الفرار بدينهم، وضحوا بكل
عزيز وغال عندهم حتى بلغوا غايتهم.
وصل المهاجرون إلى المدينة تباعا، وهاجروا جماعات وفرادى،
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقيم في مكة ينتظر أمر ربه، حتى أذن له في الهجرة،
اصطحب أبا بكر -رضي الله عنه - وودعا مكة، وسارا إلى المدينة، ودخلاها
في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول (2) حين اشتد الضحى، وبدت
الشمس في كبد السماء (3).
واستقبل الأنصار رسول الله وصاحبه ومن قبلهما المهاجرين من
المسلمين بالحفاوة والتكريم وأحلوهم من أنفسهم محل التبجيل والتوقير،
__________
(1) ابن هشام (م 468/ 1 - 469، 475 - 477).
(2) مختصر سيرة الرسول ص 173.
(3) ابن هشام (م /1/ 492).
11

الصفحة 11