كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

من الأمور التي يرونها كفيلة بتحقيق ما يقصدون.
والذي نقصده بالتربية الروحية هو توتيق الصلة بين الجنود وبين ربهم
عز وجل عن طريق ما فرضه عليهم من العبادات، واستحبه منهم من النوافل،
او بتعبير اوجز عن طريق طاعة الله - سبحانه وتعالى -.
وطاعة الله - عز وجل - هي أكبر عون للإنسان في الأزمات، وذكر الله
أعظم مطمئن للقلوب في الملمات، يلجأ إليه الإنسان فيشعر أنه آوى إلى
ركن شديد، وانحاز إلى جوار الغالب الذي لا يغلب، والقوي الذي لا يقهر،
فمهما نزلت النوازل، وتكالبت المعضلات، فإنها لا تهز قلبه إلا لتذكره بربه،
ولا تنال من نفسه إلا لتوقظ مشاعره وحواسه، فيجأر بالدعاء إلى الله،
ويستنزله نصره الذي وعد به عباده المؤمنين فيستجيب له ويلبي دعاءه.
فالصلاة معراج المؤمن، والصيام تحليق مع الملأ الأعلى، والزكاة
وقاية من الشح، والحج تدريب على بذل الجهد والمال، والذكر طمأنينة
للقلب، وقراءة القرآن مناجاة دله - تعالى -.
ولقد وضع الإسلام منهاجا متكاملا لتلك التربية، يجعل المسلم عند
تنفيذه في غاية السمو الروحي ونهاية الحضور القلبي، فلا تشغله الدنيا عن
الآخرة، ويقبل على الموت وهو واثق أنه الوسيلة الوحيدة للحياة الباقية (1).
وكان - صلى الله عليه وسلم - تحث المسلمين على الجهاد في سبيل الله بقوله:
"واعلموا ان الجنة تحت ظلال السيوف " (2).
والقرآن الكريم يشوقهم إلى الجنة فيصفها وصفا يصير الجبان شجاعا
لينعم بما فيها: "وجوه يومئذ ناعمة، لسعيها راضية في جنة عالية، لا تسمع
فيها لاغية، فيها عين جارية، فيها سرر مرفوعة، وأكواب موضوعة، ونمارق
مصفوفة وزرابي مبثوثة " (3).
__________
(1) أنظر ذلك بالتفصيل في كتابنا القيادة والجندية.
(2) البخاري (6/ 33).
(3) الغاشية (16 - 8).
110

الصفحة 110