لهذا كانت العلاقات بين المدينة وهذه البلاد علاقات حرب، وظلت
هذه العلاقات ثماني سنوات، دارت أثناءها معارك طاحنة، وشنت حروب
ضارية، نعرض هنا بإيجاز أهم المعارك التي نشبت بين المدينة وبين هذه
البلاد، لنتبين إلى أي مدى كانت العلاقات متدهورة بين الأطراف المذكورين.
ويحسن بنا قبل أن نتعرض لذكر هذه المعارك أن نستعرض أسباب
الخصومة التي أدت إلى إعلان الحرب وكانت سببا في العداوة بين الدولة
الناشئة في المدينة، وبين البلاد المذكورة، على اننا نستطيع أن نجمل هذه
الأسباب في شيئين هامين، هما: الاختلاف العقدي، والتنافس القبلي.
أولا: التنافس القبلي:
وهو أول الأسباب ظهورا لأنه أقدم من الإسلام في نفوسهم، فالتنافس
بين القبائل كان على أشده، كل قبيلة تريد لنفسها السيادة، وتريد أن تثبت
قوتها ومكانتها، وتستبيح لذلك أن تسلك في سبيل الوصول إليه كل طريق
مشروع أو غير مشروع، فالغارة بين القبائل المتنافسة شيء مألوف، والسلب
والنهب أمر لا تتورع عنه القبائل مهما كانت منزلتها.
فقريش وكنانة عدوان لا تجف بينهما الدماء (1) وبين كنانة وقيس عيلان
حروب وثارات، ولم يتورعوا عنها حتى في الأشهر الحرم (2) وكذلك الأوس
والخزرح كانت بينهما حروب دامت مائة وعشرين عاما (3).
ولم تكن العداوة بين بني هاشم بن عبد مناف وبني عمرو بن مخزوم
أقل من ذلك (4) وكان ذلك التنافس كثيرا ما يكون سببا في العداوة وتقطيع
الأرحام بين الأخوة وأبناء العمومة.
ولقد كان حقد القبائل عظيماً على بني هاشم، حيث آلت إليهم
__________
(1) ابن هشام (185/ 2).
(2) نفسه (1/ 175).
(3) وفاء الوفا (215/ 1).
(4) ابن هشام (253/ 2).
115