كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

طريقها، أو يحاول صد الناس عنها، لم يكن هناك مجال للمساومة، ولم
يكن تمة إلا الإذعان لها أو إعلان الحرب عليها.
هذان هما السببان اللذان جعلا الخصومة بين التوحيد والشرك قاسية
ودامية، حتى نشبت بينهما الحروب، ودارت المعارك، وتوترت العلاقات،
وأصبحت الدولة الإسلامية في حالة حرب مع جميع سكان الجزيرة غير
المسلمين.
وعاد الرسول إلى المدينة بعد شهرين وستة عشر يوما منذ خرج منها
حتى رجع إليها (1).
بسط النفوذ السياسي على شبه الجزيرة
أصبح للمسلمين بعد فتح مكة وهزيمة هوازن ثم إسلامها نفوذ سياسي
كبير لم يكن أحد يتوقعه وبعد عودة الرسول من تلك المعارك ظافرا، وبعد
رجوعه إلى المدينة عاصمة الدولة رأى أن يواصل - صلى الله عليه وسلم - بسط هذا النفوذ،
حتى لا يبقى في شبه الجزيرة مكان غير خاضع لدولة الإسلام.
لقد ان للدولة الجديدة أن تبسط سلطانها على أنحاء الجزيرة المختلفة
وأن تضم الأطراف المترامية في وحدة يظلها علم التوحيد، وترفرف عليها راية
الإسلام.
ولقد رأى الرسول بثاقب فكره أنه يجب أن ينضم جميع سكان الجزيرة
الى تلك الدولة سواء بالدخول في الإسلام والدينونة لها بإخراج الزكاة، أو
بإخراج عشر إيرادهم والبقاء على عقيدتهم إن أردوا أن يبقوا على دينهم.
إن دخول أهل مكة في الإسلام وتكسير ما كان بها من الأصنام إعلان
عن تصفية الدولة القديمة والقضاء على الديانة الوثنية وليس وراء ذلك إلا
بسط نفوذ دولة الإسلام على شبه الجزيرة لأن القبائل العربية كانت كلها تنتظر
__________
(1) مختصر السيرة ص: 369.
118

الصفحة 118