كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

لهم: هذا النبي يوحى إليه فانصرفوا.
ولما طلع الفجر أذن المؤذن، أشهد أن محمدا رسول الله، وأن العنسي
كذاب (1).
ونحن نلاحظ هنا أن الرسول قد غطى شبه الجزيرة برسله، ولم يترك
مكانا دون أن يرسل إليه من يجبي زكاته ويجمع خراجه، ونلاحظ كذلك أن
جميع القبائل استقبلت المبعوثين بالترحيب وسلمت لهم ما جاءوا من أجله،
وكان الرسول قد أمرهم أن يأخذوا العفو منهم ويتجنبوا كراتم أموالهم (2).
وسلم الجميع ما فرض عليهم، ولم يشذ من قبائل العرب سوى فخذ من
تميم وبني المصطلق، فأما من امتنع من بني تميم فقد أرسل لهم الرسول
عيينة بن حصن في خمسين فارسا فبغتهم، وأسر وغنم منهم وحبس النبي
الأسرى، حتى جاءه وفد بني تميم يطلبون العفو عن أسراهم، وبعد مناقشة
ومفاخرة أسلم بنو تميم فأعتق النبي الأسرى وردهم إلى قومهم.
وأما بنو المصطلق فإنهم لما رأوا الصيرف هرب ولم يعد تخوفوا
العاقبة، وأرسلوا إلى النبي وفدا تخبرونه بأن فرار الصيرف كان عن سوء فهم
منه، وقدموا ما فرض عليهم.
وهكذا أخضع الرسول هذه القبائل لسلطان الإسلام، وكلما حاولت
قبيلة الوقوف في وجه السلطان الجديد بعث الرسول إليها قوة تردعها وتردها
إلى الطاعة (3).
ب - البعوث والسرايا:
وأخذ - صلى الله عليه وسلم - يرسل السرايا لتذليل المتمردين وإخضاعهم، وكانت هذه
السرايا من أهم مظاهر السلطان السياسي على شبه الجزيرة، فقد كانت تخرج
__________
(1) ابن القيم (472/ 2)، مختصر السيرة ص: 477، هيكل ص: " 493.
(2) ابن القيم (472/ 2).
(3) هيكل ص: 454.
120

الصفحة 120