كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

وأخذ المنافقون يشيعون الأراجيف، ويخذلون المسلمين رجاء أن ينالوا
من أنفسهم فلا يستطيعون لقاء عدوهم، قال بعضهم لبعض: أتحسبون جلاد
بني الأصفر كقتال العرب بعضهم لبعض؟ والله، لكأني بكم غدا مقرنين في
الحبال، فقال لهم رجل كان معهم: والله لوددت أني أقاضي على أن يضرب
كل منا مائة جلدة، وأنا تنفلت قبل أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه.
وأخبر الرسول أصحابه بمقالة المنافقين، وأمر عمار بن ياسر أن يذهب
إليهم ويسألهم فإن أجابوه والا أخبرهم بما قالوا، فلما أخبرهم عمار - رضي
الله عنه - أتوا إلى الرسول، وقالوا: كنا نخوض ونعلب، فأنزل الله - عز
وجل - فيهم: "ولئن سألتهم ليقولون لنا كنا نخوض ونلعب. قال: ابالله
واياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم، إن نعف
عن طائفة منكم تعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين ".
وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السير لملاقاة عدوه، ووصل إلى تبوك،
ولكنه لم يجد للروم جيشا فقد فر القوم عندما علموا بقدوم المسلمين،
واستشار الرسول أصحابه في أن يسير إليهم في بلادهم فقال عمر: إن كنت
أمرت بالمسير فسر، فقال - صلى الله عليه وسلم - لو أمرت ما استشرتكم فيه، فقال عمر: يا
رسول الله إن للروم جموعا كثيرة، وليس بها أحد من أهل الإسلام، وقد
دنوت في إفزاعهم دنوك، لو رجعت هذه السنة حتى ترى، فانصرف رسول
الله إلى المدينة ولم يلق كيدا (1).
وأقام الرسول هناك في تبوك عشرين يوما، ينتظر أن يقدم عليه جيش
للروم فينازله وليلقي الرعب في قلوب من يحاولون التفكير في الاعتداء على
شبه الجزيرة أو حتى على حدوده ا، فقد أصبحت شبه الجزيرة من شمالها
إلى جنوبها في حماية الدولة الإسلامية والاعتداء على شبر من أرضها اعتداء
على الدولة التي نصبت نفسها حامية للتوحيد مدافعة عن دولته.
ولكن الروم قد آثروا السلامة، وتحصنوا داخل بلاد الشام، ولم يجرووا
__________
(1) مختصر السيرة ص: 400، هيكل ص: 458.
123

الصفحة 123