كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

حركت هذه الأمور مجتمعة نفوس سكان شبه الجزيرة إلى الإسلام،
لقد رأوا فيه عزهم وكرامتهم، وما لهم يدينون بالولاء للفرس مرة وللروم
أخرى وهم ليسوا من جلدتهم، وتبعيتهم لإحدى الدولتين رمز للمهانة
والعبودية، فخضوعهم لبني جلدتهم أولى من خضوعهم للدخيل لا سيما وقد
جاء بالحق، ورفع الظلم، ونشر العدالة بين الناس أجمعين.
ولقد أدى ذلك إلى أحداث هامة ترتبت على نتاتج تلك الغزوة التي
انتصر فيها المسلمون بغير قتال، وكان أهم هذه الأحداث ما يلي:
أ - تأمين حدود شبه الجزيرة:
اهتم الرسول بعد هجرته إلى المدينة بتأمين حدود المدينة لأنها كانت
تمثل الدولة حينئذ، وقد أمنها على النحو الذي عرفناه من عقد المعاهدات
مع القبائل وإرسال البعوث لإرهاب العدو وغير ذلك.
واليوم وقد اتسعت رقعة الدولة وأصبح! تشمل شبه الجزيرة بأكملها
كان لا بد من تأمين حدود شبه الجزيرة حتى يعيش الناس فيها آمنين لا
تشغلهم هجماتت عدو، ولا يصرفهم عن واجبهم تهديد من أحد.
لهذا لما وصل الرسول إلى تبوك، ولم يجد فيها جموعا للروم أرسل
إلى حاكم إيلة وهي على الحدود يطلب منه الإذعان والدخول في الإسلام،
وإلا فسيرسل إليه جيشا يجبره على الخضوع والإذعان.
وأقبل يوحنا بن روية صاحب أيلة، يحمل الهدايا، وتقدم الطاعة وسلم
الجزية، وصالح الرسول، وفي نفس الوقت حضر أميرا جرياء وأذرج، وأعطيا
الجزية، وصالحا، وكتب الرسول لهم كتابا أمنهم فيه وسلمه ليوحنا بن روية
قال فيه:
"بسم الله الرحمن الرحيم: هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله
ليوحنا بن روية وأهل أيلة سفنهم وسيارتهم في البر والبحر، لهم ذمة الله وذمة
محمد النبي، ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر، فمن
أحدث منهم حدثا، فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وأنه طيب لمن أخذه من
125

الصفحة 125