كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

الناس وأنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه، ولا طريقا يردونه من ببر أو
بحر" (1).
وإننا لنرى عبارات الكتاب تدل على مصدر القوة الصادر عنها،
فالرسول هو الذي أعطى العهد، وهو الذي منح الأمان، وأعطاهم ذمة الله هم
وكل من يتصل بهم، وضمن لهم السلامة من الاعتداء عليهم في بر أو بحر ما
داموا محافظين على العهد ولم يحدثوا حدثا.
إن الذي يعطي ذلك كله قادر على أن ينفذ، وقادر على أن يحمي من
منحهم عهده، ووثق لهم ضمانه، إن الرسول يمثل دولة، وإذا لم يكن قادرا
على تنفيذ ما يمنحه من الأمان فلا يمنحه، وصدور هذا الكتاب بهذه
الطريقة، وبتلك القوة دليل قاطع على السلطة التي بسطها الرسول على هذه
الأرض التي قامت عليها دولة الإسلام.
وكان هذا الكتاب ضمانا لسلامة الحدود الشمالية لشبه الجزيرة العربية
وهي الجهة التي يخشى منها هجوم العدو، فتأمين هذه الحدود أمر هام بالنسبة
للدولة الناشئة التي لم تبلغ من العمر تسع سنوات، ولهذا كانت هذه
المعاهدة من أهم اثار هذه الغزوة، بل وإنها لتعتبر عملا سياسيا بارعا من
الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث أقام بها سدا في وجه من تسول له نفسه مباغته المدينة
والهجوم عليها.
ولتدعيم المعاهدة أهدى الرسول إلى يوحنا رداء من نسج اليمن (2)
واتفقا على أن يدفع يوحنا جزية قدرها يلاثمائة دينار في كل عام (3).
ب - إسلام ثقيف:
لا زالت تقيف متحصنة بالطائف منذ حصارها معتمدة على مناعة تلك
الحصون، وما فيها من غذاء يكفي لمدة طويلة من الزمن، وإننا لنستشف من
__________
(1) ابن هشام (125/ 4).
(2) هيكل ص: 459.
(3) هيكل ص: 459.
126

الصفحة 126