عناد تقيف وامتناعها عن الدخول فيما دخل فيه العرب - حتى أكثر الناس
عداوة للإسلام - شراسة في الطبع وجفاء في المعاملة، وغلظة في القلوب لا
توجد في قبيلة غيرها.
ولقد ظهر ذلك منها في اللحظات الأولى التي واجهت فيها الرسول
- صلى الله عليه وسلم - حين خرج من مكة يعرض نفسه على زعمائها لعله يجد فيهم من يؤويه
حتى يبلغ رسالة ربه، فردوه أسوء رد وسلطوا عليه عبيدهم وسقاءهم يرمونه
بالحجارة حتى أدموا قدميه.
لم يكن لهؤلاء وأمثالهم أن يدخلوا في الإسلام بسهولة، ولا أن يفارقوا
عقيدتهم ولو كانت فاسدة إلا مرغمين، لهذا ظلت تقيف على عتوها حتى
رجع النبي من تبوك وطارت أمامه الأخبار بفرار الروم ومصالحة أمراء الحدود
له وأعطائهم الجزية.
عندئذ اعتقد هؤلاء أنه لا قبل لهم بمواجهة المسلمين، وكيف وقد
فرت جيوش الروم مذعورة أمام جيوشهم؟ فبادر عروة بن مسعود، وذهب إلى
المدينة وأعلن إسلامه وأبدى رغبته في دعوة قومه إلى الإسلام، ورغم تحذير
الرسول لعروة إلا أنه أصر على دعوتهم معتزا بمكانته فيهم وشرفه بينهم،
لهذا قال للرسول: يا رسول الله، أنا أحب إليهم من أبكارهم (2) ولكن
الرسول مع ذلك قال له: " إنهم قاتلوك ".
وذهب عروة راجعا إلى الطائف، ودعا الناس إلى الإسلام، فرموه من
كل جانب بالنبل، فأصابه سهم فقتله - رضي الله عنه - ودفن مع الشهداء.
ورأت تقيف بعد ذلك أنها فعلت أمرا نكرا بقتلها أحد زعمائها،
وأحست بأن القبائل المحيطة بها قد استنكرت صنيعها، وبخاصة وأنها كانت
قد أسلمت، فرأت في اعتدائها على عروة اعتداء على الإسلام.
وأخذت هذه القبائل المحيطة بثقيف تهاجم أساربها، وتقتطع رجالها،
__________
(1) ابن هشام (135/ 4).
127