الشروط متفاوتة في طبيعتها فمنها ما يتصل بصميم العقيدة ومنها ما يتعلق
بامور العيادة، ومنها ما هو شكلي صوري، واختلف موقف الرسول في كل
منها بحسب قيمته ليناً وشدة، وبدأ بما عزم أن يعفيهم منه استرضاء لهم،
وتطبيبا لقلوبهم، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - حريصا على إسلامهم حتى أنه لما قيل له
ادع على ثقيف قال: "اللهم اهد ثقيفا وائت بهم مسلمين " (1).
لم يكن حرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إسلام القوم داعيا لأن يجاملهم
على حساب العقيدة بل كان موقفه منهم رغم حرصه عليهم دليلا قاطعا على
استعلاء العقيدة وقوة الحق، وتمسكه بهما مهما كان المخالف لهما.
لهذا أجاب على شروطهم بلباقة وحزم لا تفترق احداهما عن الأخرى
فقال: أما أصنامكم فسنعفيكم من تكسيرها بأيديكم، وأما الصلاة فلا، فإنه
لا خير في دين ليس فيه صلاة، وأما اللات فلا بد من هدمها فورا، فأخذوا
يسألونه أن يتركها سنة فأبى، فسألوه أن يدعها شهرا فرفض - صلى الله عليه وسلم - أن يدعها
شيئا مسمى.
ذلك لأن اقرارها لحظة واحدة اعتراف بالوثنية في صورة من صورها،
وذلك مهما كان تشوته لجلال التوحيد، وتعكير لصفوه، وذلك ما لا يكون
أبدا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ورجع الوفد إلى الطائف، ومعهم أبو سفيان بن حرب، والمغيرة ابن
شعبة، وقد أمرهما الرسول بهدم الطاغية - اللات - فهدمه المغيرة.
وأمر الرسول عثمان بن أبي العاص على ثقيف، وهو أصغر الوفد سنا
إلا أنه كان حريصا على التفقه في الدين حتى قال فيه الصديق - رضي الله
عنه - يا رسول الله، إني رأيت هذا الغلام منهم من أحرصهم على التفقه في
الإسلام وتعلم القرآن.
__________
(1) نفسه ص: 98.
(2) مختصر السيرة ص 371، ابن هشام (137/ 4).
129