أجزل لهم النبي العطاء، فذكر له مسيلمة فأعطاه وقال: أما أنه ليس بشركم
مكانا، فلما عاد القوم وذكروا لمسيلمة كلمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - غره الغرور،
وادعى النبوة، وزعم أن الله أشركه مع محمد في الرسالة، وراح يسمح بهراء
لا معنى له، وأحل الخمر والزنا، ووضع عن قومه الصلاة فكفروا، واتبعوا
مسيلمة (1) وكتب مسيلمة إلى رسول الله كتابا قال فيه: من مسيلمة رسول الله
إلى محمد رسول الله، أما بعد فإني أشركت في الأمر معك وإن لنا نصف
الأمر، ولقريش نصف الأمر، وليس قريش قوما يعدلون (2).
فكتب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد
رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإن
الأرض دله يورتها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين (3).
وظل الكذاب يحاد الله ورسوله حتى هلك في خلافة الصديق - رضي
الله عنه-
وما عدا هاتين القبيلتين فقد دخلوا في الإسلام ودافعوا عن دين الله،
وبعث إليهم رسول الله من يفقههم في الدين ويعلمهم أحكامه ويثبتهم فيه.
بيان براءة ومغزاه السياسي:
بسطت الدولة الإسلامية نفوذها السياسي على شبه الجزيرة، فلم يعد
فيها من لا يخضع لسلطانها إلا أفراد لا يقام لهم وزن، ولا يحسب لهم
حساب، ومع ذلك لم تفرض الدولة نفوذها الديني كما فرضت نفوذها
السياسي، فقد كان هناك قباتل لا تزال على وتنيتها، وقد بقيت بقية من أهل
الكتاب، وكان بعض هذه القباتل الوتنية مرتبطين بعهود مواثيق مع الدولة
الإسلامية وكانوا يباشرون حجهم على طريقتهم مع وجود المسلمين في مكة
يؤدون فريضة الحج كما أمر بها الله.
__________
(1) ابن هشام (164/ 4)، هيكل ص: 479.
(2) و (3) مختصر السيرة ص: 416 - 417، ابن هشام (4/ 183).
131