كان هذا التناقص في أسلوب أداء النسك في دولة واحدة داعيا لأن يفرض
الإسلام نفوذه الديني، ان الإسلام الذي حطم الانصاب والأوتان المحيطة
بالكعبة، والذى بعث البعوث لإزالة آثار الوثنية في كثير من أنحاء شبه
الجزيرة، أصبح بهذه العهود يقر الوتنيين على وجودهم مخالطين للمؤمنين في
أداء فريصة الحج، وأن الإسلام الذي ناصب الوتنية العداء منذ اللحظة
الأولى لا يليق به أن يقرها بصورة من الصور مهما كانت الأسباب.
لقد توحدت الجزيرة ولأول مرة تحت لواء الإسلام، وقام للإسلام فيها
نظام عام يهيمن على كل نواحي الحياة ولكن هذه الوحدة كانت وحدة سياسية
في مظهرها، فلماذا لم تأخذ هذه الوحدة طابعها الديني الذي يجب أن يكون
هو أساس الوحدة الحقيقي.
كان لا بد من إذعان سكان شبه الجزيرة جميعا لدولة الإسلام، وكان لا
بد أن يكون هذا الإذعان بإحدى الطريقتين اللتين لن يقبل الإسلام بينهما
ثالثة، فقد كان السكان غير المسلمين وثنيين وأهل كتاب فإن كانوا وثنيين فلن
يقبل منهم إلا الإسلام، وإن كانوا أهل كتاب فإما أن يدخلوا في الإسلام،
وإما أن يدفعوا الجزية للدولة، وقد قبل الإسلام من أهل الكتاب ذلك دون
الوثنيين، لأن أهل الكتاب لهم دين سماوي محترم ومعترف به وإن حرفوا فيه
وبدلوا، وأما الوثنيون فليس لهم في عقيدتهم ما يدعو إلى احترامها، لهذا
كان إقرارهم عليها وقبول الجزية عملا يتضارب مع مبادىء الإسلام
وتشريعاته.
كان لزاما على القباتل الوثنية أو الكتابية أن تحدد موقفها من الدولة
المسيطرة، وأن تعلن انضمامها إليها أو انفصالها عنها، ولكي توضح الدولة
رأيها هذا، وتلزم هؤلاء الخارجين على الإسلام به، نزل من عند الله قرآن
يتلى إلى يوم القيامة بيانا لهذا الموقف وتوضيحا لتلك المشكلة حتى يكون
غير المسلمين على بينة من أمرهم.
وقد أعلن البيان صراحة براءة الله ورسوله من المشركين، وأنهى العهود
التي بين المسلمين والمشركين بانتهاء أجلها، وأعطى فرصة - أربعة أشهر-
132