كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

تم نادى في الناتس، أيها الناتس، إنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج
بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله عهد
فهو إلى مدته، وكان عليئ ينادي بها، ف! ذا أعيا وعجز عن تبليغ الناتس، قام
أبو بكر ينادي بها (1).
إن هذا البيان يدل بوضوح على أن الدولة الإسلامية لم تعد في حاجة
إلى مهادنة القبائل التي لم تعتنق الإسلام، ويشير إلى أن وجود طوائف في
داخل الدولة لا تدين بدينها، ولا تؤمن بعقيدتها خطر يهدد كيانها، ويعرض
وحدتها للانهيار، ولهذا اعتبرهم البيان أعداء يجب أن يحاربوا إذا هم لم
يخضعوا لمبادىء الدولة وعقيدتها، وإن كانوا من بني جلدتها، ويعيشون
على أرضها بل هم في الحقيقة أخطر أعداء الدولة، لأنهم يعيشون في قلبها،
ويجتمعون بحماها، ولهذا حرم عليهم دخول مكة إذا أرادوا أن يبقوا على
شركهم، فعليهم حينئذ مغادرة أرض الدولة الإسلامية، وأن يعيشوا على أرض
سواها، وإلا فإنهم حرب على المسلمين وسيعاملهم المسلمون. كأعداء حتى
يقضي عليهم أو يدخلوا في الإسلام، وما داموا مصرين على شركهم فليس
لهم الحق في الحج بعد ذلك أبدا.
وقد منع البيان منعا قاطعا أن يطوف إنسان مهما كان وهو عريان، لأن
ذلك من عمل الجاهلية، وليس فيه ميزة توجب الإبقاء عليه، أو مصلحة تعود
على المسلمين تستدعي إقراره، وأخيرا أقر البيان لكل ذوي عهد أن يوفي
إليهم عهدهم ما لم يعتدوا أو يظاهروا على المسلمين.
لم يمض عام حتى كان البيان قد أخذ موضعه من نفوتس الناس، وقد
أحس الجميع بأنه ليس كلاما يقال، ولا خطبة تذاع، وإنما هو برنامج عمل
للدولة الإسلامية. أعلنته وستتولى تنفيذه بكل حزم وصرامة وشعر هؤلاء
المشركون أن الأمر جد لم يعد يحتمل المماطلة والتسويف كيف وقد تحداهم
البيان بصراحة وأعطاهم فرصة يفيئون فيها إلى الإسلام أو يستعدون لمعركة
__________
(1) فتح القدير (334/ 4).
134

الصفحة 134