كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

ولم يكد الإسلام يدخل المدينة حتى الف بين الأوس والخزرج وقضى
على الخلافات التي استمرت بينهم دهرا طويلا، فتفرغوا لأعمالهم الزراعية
التي هي عماد الحياة الاقتصادية وبدأت المحاصيل تكثر في الأسواق شيئا
فشيئا، واستعمل الأنصار المهاجرين الذين ليس لهم حرفة أو عمل يتكسبون
منه في أراضيهم الزراعية، فكثرت بذلك الأيدي العاملة.
واقتحم المهاجرون أصحاب الخبرة التجارية السابقة ميادين التجارة
بتجاربهم، فباعوا واشتروا، ونشطت الأسواق، وراجت السلع، وأخذ الوضع
الاقتصادي في التحسن.
وظل الوضع كذلك في المدينة ينمو الاقتصاد فيه نموا بطيئا لا يكاد
يلمس، والمسلمون صابرون راضون بما هم فيه من الضيق ينتظرون الفرج بعد
الشدة، واليسر بعد العسر، والرسول - صلى الله عليه وسلم - بينهم لا يتميز عنهم، ويخبرهم
بأن طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة
يكفي الثمانية (1).
أسس الاقتصاد الإسلامي:
لم يغفل الإسلام الجانب الاقتصادي في حياة الأمة التي عمل دائبا
على تكوتنها، وبخاصة وقد دخل الإسلام المدينة وهي غارقة في اوضاع
اقتصادية سيئة، فاليهود قد فرضوا أنفسهم على السكان، وأمسكوا بزمام الأمر
بواسطة رووس الأموال الضخمة التي كانت تحت أيديهبم فعاملوا الناس
معاملة ربوتة كادت تقضي على ممتلكاتهم، وتصيرهم عبيدا لرووس الأموال
اليهودية.
إزاء هذا الوضع المتدهور وضع الإسلام اسسا أرسى عليها الاقتصاد
الذي يريد بناءه من جديد في أمة لا تعرف غير هذا النظام الفاسد،
وتتلخص هذه الأسس في الكلمات الثلاث الآتية:
__________
(1) رواه أحمد في المسند.
140

الصفحة 140