كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

ولا أرينك خمسة عشر يوما، ففعل، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى
ببعضها ثوتا، وببعضها طعاما، فقال رسول الله: "هذا خير من أن تجيء
والمسألة نكتة في وجهك يوم القيامة " (1).
والحديث الشريف يعطينا مثالا واضحا للنمو الاقتصادي نتيجة للعمل،
فالرجل قد باع أتاث بيته بدرهمين، وبعد خمسة عشر يوما احتطب فيها وعمل
عاد بعشرة دراهم، ومعنى هذا أن دخل هذا الرجل قد تضاعف إلى خمسة
أمثال ما كان يملك في تلك الفترة القصيرة، فكيف إذا ما واصل العمل،
واستمر في السعي؟ والحديث من جانب اخر يحذر من البطالة ويدفع هؤلاء
الذين يستمرئون الكسل بأن كسلهم المفضي بهم إلى عدم العمل وسؤال
الناس يكون علامة مهانة ومذلة في وجوههم يوم القيامة.
ولتاًكيد هذا المعنى في النفوس قال - صلى الله عليه وسلم -: ما أكل أحد طعاما قط
خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده (2).
وقد عد الرسول - صلى الله عليه وسلم - العمل للكسب والتعفف نوعا من الجهاد في
سبيل الله، روى الطبراني أن رجلا مر برسول الله، فرأى أصحابه من جلده
ونشاطه ما أعجبهم فقالوا، يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله، فقال:
إن كان خرج يسعى على ولدة صغارا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج
يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى
على نفسه يعفها فهو في سبيل الله (3).
ومن هذه الأحاديث يتضح لنا منزلة العمل في الإسلام واهتمام الإسلام
به إنما هو لأنه مصدر من مصادر تنمية الاقتصاد ولقد فهم المسلمون ذلك
فكان كل رجل منهم يتخذ لنفسه حرفة يعيش منها إلى جوار ما كان يحصله
من العلوم ويفيد به الناس، ولم يكن الاحتراف ليقص من قدر صاحبه، ولم
__________
(1) رواه أبو داود والترمذي.
(2) رواه البخاري وأحمد.
(3) رواه الطبراني والبيهقي.
142

الصفحة 142