كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

بسط الله على أرضه من وسائل الرزق وطرق المعاس، فينبغي أن تتاح لكل
واحد منهم فرص هذه المحاولة أيا كان من بني آدم (1).
وعلى هذا يكون الإسلام قد أطلق للناس حرية التملك، وأباح لهم أن
يقتنوا من الملك ما يقدرون عليه من غير أن يتدخل في نوع المملوك، وهنا
تتفاوت المقادير التي يمتلكها الناس بقدر تفاوت سعيهم ومواهبهم.
فالفطرة التي فطر الله الناس عليها تقتضي بطبيعتها أن يكون التفاوت
والتباين في رزق العباد كشأنه في مواهبهم الأخرى فكل مشروع يختار ويدبر
أمره لايجاد المساواة الاقتصادية المدعاة بين العباد باطل من أساسه حسب ما
يراه الإسلام لأن الإسلام لا يقول بالمساواة في الرزق نفسه وإنما يقول بها
في فرص الجد والسعي في اكتساب المعاس واكتساب الرزق (2).
وإنما أطلق الإسلام للناس حرية التملك لأن ذلك يدعو إلى المنافسة
التي تعتبر أوسع الأبواب للتنمية الاقتصادية، ذلك لأن الفطرة تلح على
الإنسان بأن يتملك، وما دام ليس هناك حدود للملك فسيبذل أقصى جهده
لتحصيل أكبر قدر ممكن من المال فيزداد تبعا لذلك الدخل، وتنمو الثروة،
وتتحسن الأوضاع الاقتصادية في الأمة.
أما تحديد الملكية، والحجر على مواهب الناس أن تبتكر ما يؤدي إلى
زيادة الدخل، ويؤول إلى نمو الاقتصاد بحجة المساواة بين الناس، فذلك
رغم معارضته للفطرة السوية، فهو يؤدي إلى القعود عن العمل وبالتالي إلى
قلة الإنتاح، ونتيجة لذلك يقل الدخل، ويتدهور اقتصاد الأمم وذلك ما
نشاهده الآن في الدول التي أخذت بمبدأ تحديد الملكية وفرض قيود على
الدخل.
لهذا كانت حرية التملك التي جعلها الإسلام أساسا لبناء اقتصاد الأمة
الإسلامية من أعظم أسباب نمو الثروة وزيادة الدخل لدى الأفراد.
__________
(1) نظام الحياة في الإسلام ص: 58.
(2) نظام الحياة في الإسلام ص: 61.
144

الصفحة 144