كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

أ - تهيؤ الأذهان لاستقبال الدين الجديد:
كان وجود اليهود في المدينة سببا من أسباب تهيئة الجو، وإعداد
النفوس لتقبل الدين الجديد، فقد كانوا أهل كتاب، وكانوا ينشرون تعاليم
دينهم، ويعيبون الوثنية وأهلها ويخوفون الناس من يوم تشتد فيه الأهوال،
يقف الناس فيه بين يدي الله - عز وجل - ويحاسبهم على كل ما اكتسبوا من
الأعمال، فيحسن إلى المحسنين بإدخالهم جنات النعيم، ويعاقب المسيئين
ب! دخالهم دار الجحيم كما كانوا يتوعدون العرب بظهور نبيئ اخر الزمان، وأنه
سيبعث بدين سماوي يوافق دينهم، ويحطم الأوتان ويحارب من يعبدها.
كذلك كانت الخصومة بين اليهود من جهة، وبين الأوس والخزرج من
جهة أخرى سببا اخر من أسباب استعداد العرب للدخول في هذا الدين،
حيث كان اليهود يهددون الأنصار بأنهم سينضمون إلى هذا النبي عند ظهوره
وسيقتلونهم (قتل عاد وإرم) (1).
لقد كان في نشر تعاليم الدين اليهودي وترديد ذكر يوم القيامة وما فيه
من الحساب والعقاب والجنة والنار، والتنديد بالأصنام والاعتراف بوجود إله
واحد هو وحده - سبحانه - المستحق للعبادة، كل ذلك كان تهيئة للنفوس،
وشحذا للعقول، ومقدمة لاستقبال تعاليم الدين الإسلامي، فإن الذي سيلقي
عليهما من تعاليم الإسلام لا يخرج عن ذلك، فتكون النفوس قد سمعته
وألفته، فلا تفاجأ بشيء جديد لم تألفه.
كما كانت الخصومة بين اليهود والعرب سببا لحرص العرب على
الدخول في الاسلام، فلم يكد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكلم النفر الذين قدموا من
المدينة للحج، ويعرض عليهم الإسلام، ويدعوهم إلى الله، حتى قال
بعضهم لبعض: يا قوم، تعلموا والله إنه النبي الذي توعدكم به يهود، فلا
تسبقنكم إليه، فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه، وقبلوا منه ما عرض
عليهم من الإسلام (2).
__________
(1) ابن هشام (م /429/ 1).
(2) نفسه.
15

الصفحة 15