كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

وتمنح الفقير حق الحياة الكريمة من غير أن يروق ماء وجهه فتقضي على
الحاجة والفقر.
وقد فرض الإسلام الزكاة لأنه يريد أن يهىء للناس فرص الحياة
الحقيقية ويعفيهم من هموم ضرورات الحياة المادية ليفرغوا لما هو أليق
بالكرامة الإنسانية " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم
من الطيبات وفضلناهم على كثير من خلقنا تفضيلا " (1).
ولقد كرمهم فعلا بالعقل والعاطفة والأشواق الروحية إلى ما هو أعلا من
ضرورات الجسد فإذا لم يتوافر لهم من ضرورات الحياة ما يتيح لهم فرصة
من الوقت والجهد لهذه الأشواق الروحية ولهذه المجالات الفكرية فقد
سلبوا ذلك التكريم، وارتكسوا إلى مرتبة الحيوان لا بل إن الحيوان ليجد طعامه
وشرابه غالبا وإن بعض الحيوان ليختال ويقفز ويمرج وإن بعض الطير ليغرد
ويسقسق فرحا بالحياة بعد أن ينال كفايته من الطعام والشراب (2).
وقد شرع الإسلام الزكاة في الأموال القابلة للنمو سواء نسيت أم لا،
ولهذا لن تشرع في أساس البيوت والدور التي يسكنها أصحابها، والأدوات
الصناعية التي يستعملها أصحابها في صناعتهم كالماكينة للخياطة والمنشار
للنجار والمطرقة للحداد إلى غير ذلك.
وعلى هذه تكون الزكاة واجبة في كل مال قابل للنماء وإن عطّله صاحبه
ولم ينمه كالمال المكوز في المصارف والخزائن، لأنها نامية بقوتها الذاتية،
وينبغي تنميتها بالفعل حتى لا تقضي عليها الزكاة، ولهذا قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -
(اتجروا في أموال اليتامى، لا تأكلها الزكاة) (3). والأموال النامية بالفعل أو
بالقوة هي ما يأتي:
__________
(1) الإسرا ء: 0 7.
(2) العدالة الاجتماعية ص: 132.
(3) رواه الطبراني في الأوسط.
155

الصفحة 150