كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

فيعطونه، قال - صلى الله عليه وسلم -: "ليس المسكين الذى يطوف على الناس ترده اللقمة
واللقمتان. والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنيئ يغنيه ولا
يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس " (1).
وعلى هذا فإن الإسلام لا يقصد أن يعيش الناس أي عيشة، ولكنه
يريد أن يعيش الناس على مستوى يليق بكرامة الإنسان وليضمن لهم حياة
كريمة تعفهم وتغنيهم عن سؤال الناس.
والعاملون: على تحصيل الزكاة وهم الجباة الذين تعينهم الدولة
لتحصيلها ممن وجبت عليهم، ويدخل معهم الحراس عليها، والكتبة لديوانها
بشرط ألا يكونوا ممن تحرم عليهم الزكاة.
وهؤلاء يأخذون أجرتهم بقدر الكفاية بمعنى أنه إذا لم يكن له منزل
يتخذ لنفسه منزلا، وإذا لم يكن متزوجا يتزوح، وإذا لم يكن له خادم اتخذ
خادما، وإذا لم يكن عنده مركب اشترى مركبا وليس لهم الحق في شيء فوق
ذلك.
روى أحمد وأبو داود عن المستورد بن شداد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من
ولي الناس عملا وليس له منزل فليتخذ منزلا، أو ليست له زوجة فليتزوج، أو
ليس له خادم فليتخذ خادما، أو ليست له دابة فليتخذ دابة ".
وهكذا يعطي الإسلام موظفي الدولة تلك الحقوق التي عجزت عن
تأمينها أرقى حضارات العالم الحديث، وفشلت عن تحقيقها أحدث المبادىء
الاقتصادية التي زعمت أنها تضمن للناس الحياة السعيدة.
والملاحظ هنا أن الإسلام بذلك قد حارب الرشوة والاختلاس، وهما
الوباء الذي لم تفلح في علاجه العقوبات والسجون، لأنه ما دام الإنسان
تنقصه الحاجات الضرورية في حياته فلا بد أن تمتد يده إلى مال غير، وماذا
يريد الإنسان بعد المسكن والزوجة والخادم والسيارة والنفقة التي تكفي ذلك
__________
(1) متفق عليه.
153

الصفحة 153