كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

فكتب الأمراء من الجهات المفتوحة لأمير المؤمنين، فأبى عمر عليهم، وامر
بأن توزع الأموال المنقولة والسلاح على الفاتحين، وتستبقى الأرض والأنهار
لعمالها ليكون ذلك في أعطيات المسلمين (1).
وعارض بعض كبار الصحابة كعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام
وبلال بن رباح رأي أمير المؤمنين، وأرادوا أن تقسم الأرض بين الفاتحين
فإنها مما أفاء الله عليهم (2).
وجمع عمر عشرة من كبار الأنصار خمسة من الأوس وخمسة من
الخزرح، وشاورهم في الأمر، وطلب منهم ألا يميلوا إلى هواه من غير
اقتناع، ثم أدلى لهم برأيه فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (ني لم
أزعجكم إلا لأن تشتركوا في أمانتي فيما حملت من أموركم، فإني واحد
كأحدكم وأنتم اليوم تقرون بالحق، خالفني من خالفني، ووافقني من
وافقني، ولست أريد أن تتبعوا هذا الذي هواي، معكم من الله كتاب
ينطق بالحق، فوالله لئن كنت نطقت بامر أريده ما أريد به إلا الحق.
قالوا: قل نسمع يا أمير المؤمنين، قال: لقد سمعتم كلام هؤلاء القوم
الذين زعموا أني ظلمتهم حقوقهم، وإني أعوذ بالله أن أركب ظلما، لئن كنت
ظلمتهم شيئا هو لهم وأعطيته غيرهم لقد شقيت، ولكن رأيت أنه لم يبق
شيء يفتح بعد أرض كسرى وقد غنمنا الله أرضهم وأموالهم وعلوجهم،
فقسمت فاغنموا من أموال بين أهله، وأخرجت الخمس فوجهته على وجهه
وأنا في توجيهه.
وقد رأيت أن أحبس الأرضين بعلوجها، وأضع عليهم فيها الخزرح،
وفي رقابهم الجزية فتكون فيئا للمسلمين، المقاتلة والذرية ولمن يأتي
بعدهم.
أرأيتم هذه الثغور لا بد لها من رجال يلزمونها، أرأيتم هذه المدن
__________
(1) الخراج ص: 24.
(2) نفسه ص: 25 - 26.
158

الصفحة 158