كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

العظام - كالشام والجزيرة والكوفة والبصرة ومصر- لا بد لها من أن تشحن
بالجيوس، وإدرار العطاء عليهم، فمن أين يعطى هؤلاء إذا قسمت الأرضون
والعلوح؟.
فقالوا جميعا: الرأي رأيك، فنعم ما قلت، وما رأيت، إن لم تشحن
هذه الثغور وهذه المدن بالرجال، وتجري عليهم ما يتقوون به رجع أهل
الكفر إلى مدنهم (1).
وهكذا استطاع - عمر - رضي الله عنه - أن يوضح الأمر لمجلس
الشورى، وأن يثبت لهم وجهة نظره بالدليل العقلي بعد أن استبان له الدليل
النقلي حين قال لهم: إني قد وجدت حجة، قال الله - تعالى -: " ما أفاء الله
على رسوله من أهل القرى فلفه وطرسول، ولذي القربى واليتامى والمساكين
وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم، وما اتاكم الرسول فخذوه،
وما نهاكم عنه فانتهوا، واتقوا الله أن الله شديد العقاب " ثم قال: " للفقراء
المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا،
وينصرون الله ورسوله، أولئك هم الصادقون " ثم لم يرض حتى خلط بهم
غيرهم، فقال: " والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر
اليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم ولو
كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ". فهذا فيما
بلغنا- والله أعلم - للأنصار خاصة، ثم لم يرض حتى خلط بهم غيرهم،
فقال: " والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا
بالايمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم " (2).
فكانت هذه عامة لمن جاء من بعدهم فقد صار هذا الفيء بين هؤلاء جميعاً،
فكيف نقسمه لهؤلاء، وندع من تخلف بعدهم بغير قسم (3)؟؟.
عندئذ وافق مجلس الشورى على ترك الأرض بعمالها يفلحونها على
__________
(1) الخراج ص: 24 - 25.
(2) سورة الحشر الآبات: 7 - 10.
(3) الخراج ص: 26 - 27.
159

الصفحة 159